وهذا الكتاب طبع قديماً في مصر وترجم كثيراً من المسيحيين والإسرائيليين وغيرهم من غير أهل الإسلام ووفاهم حقهم وإليك مثالاً على ذلك بالحرف: أبو سعيد الحسن ابن خالد بن المبارك بن محضر النصراني المارديني الملقب بالوحيد كان مؤثراً للوحدة والانقطاع واظب على الاشتغال بالعلم في أول شبابه وأتقن علم الأوائل وبرز فيه ثم رفض الاشتغال وكان بينه وبين قطب الدين بن إيلغازي بن ارتق ملك ديار بكر صحبة في سن التربية فكان يعاتبه على الانقطاع عنه ويندبه إلى خدمته إلى أن أجاب فتقدم عنده وصارت له المنزلة الرفيعة والاحترام والتقدم وندبه بارق شاه بن قلج لوزارته فأبى ثم قصد بغداد وأقام بها مدة عند الجاثليق أبي حكيم ماري بن إيليا بن الحديثي ثم عاد إلى بلده وكان قد رزق طبعاً في نظم الشعر فمن ذلك قوله:
ومعتدلٍ ساجي الجفون كأنما ... بعينيه سيفٌ سُلَّ للقتل والفتك
إذا رام عند الوصل ترك دلاله ... ترد عليه طبعه صولة الترك
وما عذل العذال إلاّ جهالة ... إذا لم أزل معزى الحشاشة بالهلك
وما تركت مني الصبابة في الهوى ... سوى جسد مثل الخلال أم السلك
أشفعه فيما يريد بحسنه ... ولا أتعدى في الهوى طاعة النسك
ولكنني أرعى مباسم ثغره ... وألثم لآلئها موضع الضحك
وقوله:
لقد أثرت صدغاه في لون خده ... ولاحا كفيءٍ من وراء زجاج
ترى عسكراً للروم في الزنج قد بدت ... طلائعه تسعى ليوم هياج
أم الصبح بالليل البهيم موشح ... حكى أبنوساً في صفيحة عاج
لقد غار صدغاه على ورد خده ... فسيجه من شعره بسياج
وقوله في جواب كتاب:
وقفت على فحوى كتابك معلناً ... بشكرك أني بالثناء خليق
وما خلته إلا كأكناف روضة ... تناثر فيها لؤلؤ وعقيق
وراق بسمعي منه لفظ كأنما ... معانيه سحر للقلوب وثيق
وإن تك أفعال الجميل تقدمت ... فإنك في بحر الوفاء غريق