فلا تولني فوق الوداد تفضلاً ... فليس بأعباء الثناء أطيق
ولم يك لبدعاً ما قصدت من العلى ... فإنك بالطبع الكريم خليق
وقوله في مثله:
أتاني كتاب أنشأته أنامل ... حوت أبحراً من فيضها يغرف البحر
فواعجباً أنَّى التوت فوق طرسه ... وما عودت بالقبض أنمله العشر
وكان مولد أبي سعيد هذا في سنة سبع وأربعين وخمسمائة وتوفي في سنة ستمائة
وللمؤلف عناية بأخذ التقاليد الصادرة عن الملوك وغيرها من الصكوك الرسمية ولو كتب لكتابه كله البقاء لانتفع به كثيراً في هذا الباب لأن فيه ولا شك ما يغفله أكثر المؤرخين.
ومما ذكر تقليد فخر الدين أبي الحسن محمد بن محمد المختار الكوفي نقابة الطالبين ببغداد قال المؤرخ: وقد وقفت عليه وهو بخط لنكين أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي كاتب ديوان الإنشاء المعمور حينئذ ومن إنشائه ومن خطه نقلت. وهنا أورد العهد وهو في أربع ورقات ولولا أن في بعض الكتب المطبوعة ما يماثله من التقاليد وربما فاقه بأسلوبه وبلاغته لاقتبسناه.
ومن فصول الكتاب المهمة ما ذكره في نقل الفتوة وما تجدد فيها سنة أربع وستمائة والفتوة كما في التاج لغة الكرم والسخاء وفي عرف أهل التحقيق أن يؤثر الخلق على نفسه بالدنيا والآخرة وصاحب الفتوة يقال له الفتى ومنه لا فتى إلا علي وقول الشاعر:
فإن فتى الفتيان من راح واغتدى ... لضرّ عدوٍّ أو نفع صديق
وعبر عنها في الشريعة بمكارم الأخلاق ولم يجيء لفظ الفتوة في الكتاب والسنة وإنما جاء في كلام السلف وأقدم من تكلم فيها جعفر الصادق ثم الفضيل ثم الإمام أحمد وسهل والجنيد ولهم في التعبير عنها ألفاظ مختلفة والمآل واحد. قلنا والفتوة فيما نرى كما يظهر من هذا التقليد الصادر عن الناصر أشبه بجمعية سياسية. والعهد الصادر عن الخليفة الناصر لدين الله الذي نحن بصدده هو في هذه السنة أهدرت الفتوة القديمة وجُعل أمير المؤمنين الناصر لدين الله رضي الله عنه القبلة في ذلك والمرجوع إليه فيه وكان هو قد شرف عبد الجبار بالفتوة إليه وكان شيخاً متزهداً فدخل في ذلك الناس كافة من الخاص والعام وسأل ملوك الأطراف الفتوة فنفذ إليهم الرسل وقد ألبسهم سراويلات الفتوة بطريق الوكالة الشريفة