من المعلوم أن حب البذخ قد وجد في كل عصر من عصور العالم وتواريخ الأمم القديمة طافحة بالأمثلة الكثيرة من ذلك ولكنه كان أبداً سبب الشقاء العام والخاص وتأثيره في هذه القرون الحديثة أدهى وأمر. فقد كان البذخ في القرون السالفة من شأن طبقات الأشراف الكبراء أما في القرن التاسع عشر فأصاب الطبقة الوسطى من الناس تلك الطبقة التي نالت ما نالت بفضل ما خولت من الامتيازات. وهذه الطبقة على كثرة عددها من أشد الطبقات قرباً من الطبقة السافلة وأكثرها بها اختلاطاً ولذلك أصاب هذه أيضاً من ذاك المرض شدة، وبرحت بها تباريح التفخل والتبرج. ومن الأسف أن آفة التظاهر باليسار مازالت يتفاقم شرها ويعظم ضرها من حين إلى آخر وهي من الجراحات الاجتماعية التي هاجمت الطبقات الميسورة والطبقات المعسورة معاً. فقد اعتدنا أن نتخذ من الظل نوراً ومن الظواهر حقائق حتى تضطر الحقيقة أن تكتسي بين أظهرنا في الأحايين رداءاً مموهاً من الكذب للوصول إلى الغاية تنشدها.
وما دام العلم لم يعم سواد الشعوب وطبقة العملة لا تهديها المعارف إلى وجه مصالحها الحقيقية فالميدان رحب لأهل المطامع ممن يستخدمون البذخ آلة لإضلال الرأي العام فيعمدون إلى طرق غريبة في الكسب والانتفاع ومنها أشغال البورصة والمضاربات. وسرها قائم بالتأثير في أفكار الرجال بإيجاد الثقة وعدمها في بعض الأحوال على حسب أغراضهم وهم يسيئون استعمال الثقة العامة بإشاعات كاذبة يلفقونها ليغتنوا فيكونوا عالة على ما اقتصده ألوف من البيوت المسكينة وأنت عارف بنتائج أشغال البورصة في الآداب العامة فإن زيادة المالية على هذا النحو تضعف الإحساس وتصد الذكاء عن سننه وغايته الحقيقية وتقتل النشاط على العمل. ويسود أعظم نجاح باهر في الصناعات العادية في عيون أصحابها في جانب الوعود الخلابة التي يعدهم بها القائمون على هذه التجارة. ثم أن أمثال هذه الثروات السريعة الحصول تنبه طمع من كانوا يقنعون من قبل بثمرات أعمالهم أو أملاكهم فيأخذهم دوار الربح فيتدهورون في هذه المضاربة المخطرة فيؤدي ذلك إلى خراب ثروات عديدة وتجلب المصائب على أسرات كثيرة. وما ننس لا ننس الأزمات