الغالب أن الشعراء في كل أمة يتقلبون مع الأهواء فلا يثبتون على حال في مناحيهم ومنازعهم. ومن يعشق الخيال ويهيم بالطبيعة فيخاطب السماك والأسماء، ويهيم بنجوم الأرض كما يهيم بنجوم السماء، لابد أن يقلبه الدهر كل مقلب، وتختلف عليه الأطوار والأدوار، كاختلاف الطبيعة بين صيف وشتاء وليل ونهار. وصاحب الترجمة ما خرج عن هذا الخلق وخروج الشاعر عنه يعدُّ من الغرائب ولا عبرة بالشذوذ. هو من شعراء الإنكليز وفلاسفتهم ربي يتيماً منذ نعومة أظفاره فبعث به أهله إلى مدرسة متوسطة في لندن امتاز فيها بأخلاقه الساكنة وشعوره اللطيف وذوقه العجيب في علوم ما وراء الطبيعة والفلسفة. دخل كلية كامبردج وغادرها بعد سنتين وبعد أن انضم إلى سلك عصابة من سرية الدراغون سعى بعض أصحابه فأخرجوه منه.
سافر إلى مدينة برستول لأول أمره فاتحد وشاعرين شابين مثله (روبرت لوفل وسوتني) وزعموا أنهم يريدون أن ينشئوا في ايلينوا من بلاد أميركا مستعمرة تكون أنموذج المستعمرات تحكمها قاعدة المساواة المطلقة والفضائل الاجتماعية كافة بيد أنهم ما عتموا أن عشقوا ثلاث أخوات فتزوجوا بهن وعدلوا عن أفكارهم الخيالية وجمهوريتهم الكمالية وتفرقوا تحت كل كوكب فراح صاحب الترجمة يؤازر في إحدى الصحف الحرة بلندن موجهاً أبداً كلامه إلى الأمة ولذا حازت مقالاته إقبالاً. ثم كتب رواية وكان نشر من قبل ديواناً من شعره وأنشأ جريدة سياسية أسبوعية لم يصدر منها غير عشرة أعداد فذهب تعبه فيها سدى.
ثم عزفت نفسه عن السياسة واعتزل في إحدى بقاع سويرستهير الجميلة وأخذ ينظم فيها أشعاره ويخلد لهذه المدرة بأقواله ذكراً لا يحمى على الدهر وانكب على العمل والدرس أيما انكباب وهناك ألف أحسن قصائده الموشحات فنجحت كثيراً ولكنها لم تأته بربح يذكر. وزار ألمانيا وتمكن من إحكام آداب الألمانية ثم تقلبت به الأحوال فاعتزل واحد صاحبيه الاثنين المشار إليهما مدة ولم يلبث أن عاود المسائل السياسية والدينية فأصبح ملكياً وداعية إلى التثليث على ما كان يميل إليه من الحرية المفرطة.