للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجباية في الإسلام]

لفن المالية منزلة عالية عند رجال الدول لأنهم في أشد الحاجة إلى معرفه ليعلموا كيف يفرضون الضرائب على الأمة ولهذا عني به الأوروبيون فجعلوه من أهم الفنون التي تقرأ في أرقى المدارس الجامعة فمن درس هذا الفن واطلع على كتاب الخراج لأبي يوسف رآه جامعاً للأبحاث المالية في صورة مجلة مندمجة القواعد تكون أساساً لروح أموال الدول وبياناً لذلك أشرع بتعريف فن المالية وأذكر موضوعه وغايته فأقول:

فن المالية (هو عليم يبحث عن أموال الدول) وضع لوصف تلك الأموال وبيان نوعها وتكييف إدارتها. وغايته تعليم القواعد المقررة المأخوذة عن تجارب جرت لأخذ الأموال بالعدل وصرفها بالعقل على شرط أن تحفظ مصالح الأمة والحكومة معاً فالدولة التي لا تراعي قواعد هذا الفن لا يتيسر لها أن تحصل على الأموال الطائلة التي تلزم لحفظ حياة بلادها والذود عن حياض أمتها.

منشأ أموال الدول

ثبت بالاستقراء أن كل شيء يبدأ صغيراً ثم يكبر سنة الكون في جميع الأمور وناموس عام يشمل الأشياء كلها وهذا القول يصدق على البشر والدول. ولما اخذ الناس يتكاثرون وينمون في الأرض أنشأوا ينقسمون إلى قبائل وعشائر وأصبح قويهم يطمع في التغلب على ضعيفهم فطرة فيهم منذ خلقوه ودأبهم في كل جيل. وهذا ما دعا كل فريق إلى الحذر من جاره أو الانتقام منه أو التعدي عليه فيتحاربون ويتقاتلون وينهب بعضهم أموال بعض ويعبثون بالسكان ويسبون النساء ويستحيون الذراري فيجعلونهم أذلاء صاغرين. وكان الدولة في تلك الأدوار عبارة عن هيئة تحفظ نفسها من تعدي القبائل والعشائر وتسعى لتكون على وفاق مع غيرها وتنشر لواء العدل وتحكم بالعرف والعادة معتمدة على الوجدان على حين كان لا فرق بين الحكومة والدولة من ثم يتضح أن أساس وظائف الحكومة وأهمها منع اعتداء الأعداء ونشر لواء العدل بين أفراد الأمة وكانت العادة إذ ذاك أن يتجهز أفراد القبيلة للحرب بسلاحهم وأموالهم بيد أنهم كانوا يتركون ما يغنمونه من الأموال والأراضي لرئيسهم وأعوانه جزاء شجاعتهم في الحرب وقيامهم بسنة العدل في زمان السلم وما هذه الأموال والأراضي المسلوبة إلا أموال الدولة الابتدائية وعلى هذا النمط كانت