من جملة تلامذة ابن حزم الأندلسي أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج النباتي المعروف بابن الرومية الأموي الاشبيلي المتوفى سنة ٦٣٩هـ وهو الذي رحل إلى الشرق لمعرفة نباتاته، وأخذ علم الحديث عن ثقاته، ونشر تآليف أستاذه ابن حزم ولولاه لتناولتها يد الضياع خصوصاً بعد أن أصابت الكتب في بلاد الأندلس ما أصابها من طوارق الحدثان.
جاء في الإحاطة أنه كان غرة جنسه إماماً في الحديث حافظاً ناقداً، ذاكراً تواريخ المحدثين وأنسابهم وموالدهم ووفياتهم، وتعديلهم وتجريحهم، عجيبة نوع الإنسان في عصره وما قبله وما بعده في معرفة علم النبات، وتمييز العشب وتحليلها، وإثبات أعيانها، على اختلاف أطوار منابتها، بمشرق أو مغرب، حساً ومشاهدة وتحقيقاً، لا مدافع له في ذلك ولا منازع، حجة لا ترد ولا تدفع، إليه يسلم في ذلك ويرجع، قام على الصنعتين - الحديث والنبات - لوجود القدر المشترك بينهما وهما الحديث والنبات إذ موادهما الرحلة والتقييد، وتصحيح الأصول، وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان.
ولما وصل على رواية ابن أبي أصيبعة سنة ثلاث عشرة وستمائة إلى ديار مصر وأقام بمصر والشام والعراق نحو سنتين وانتفع الناس به واسمع الحديث وعاين نباتاً كثيراً في هذه البلاد مما لم ينبت بالمغرب وشاهد أشخاصها في منابتها، ونظرها في مواضعها، حل في الإسكندرية فسمع به السلطان الملك العادل أبو بكر بن أيوب وبلغه فضله، وجودة معرفته بالنبات، وكان الملك العادل في ذلك الوقت بالقاهرة فاستدعاه من الإسكندرية وتلقاه وأكرمه ورسم بأن يقرر له جامكية وجراية ويكون مقيماً عنده فلم يفعل واعتذر بالحج.
ولهذا النباتي تآليف حسنة في الطب وله معرفة بأشخاص الأدوية وقواها ومنافعها واختلاف أوصافها وتباين مواطنها وبالجملة فلم يكن يتحرج من الجمع بين علوم الدنيا والآخرة، واشتهر فضله حتى دعاه أبو بكر بن أيوب إلى المقام في بلاده ولا خير في أمة لا تفاخر برجالها ولا تحرص على تكثير سوادهم.