وقعت شبهة لبعض أهل العلم فيما إذا كانت هذه الرسالة المنشورة قبل هي اليتيمة بعينها أم هي يتيمة ثانية لابن المقفع ويزول هذا التناقض إذا لوحظ ما قاله إمام المتكلمين أبو بكر الباقلاني البصري المتوفي سنة ثلاث وأربعمائه فإنه ذكر في كتابه إعجاز القرآن أن الدرة اليتيمة كتابان أحدهما يتضمن حكماً منقولة والآخر في شيء من الديانات. غير أنه يبقى هناك إشكال في أنه ليس في إحدى الرسالتين ما يتعلق بالديانات كما قال الباقلاني وإذا رضينا بالظن فنقول أن هذا الاسم وضعه أناس لبعض رسائل ابن المقفع ومن هنا نشأ الاشتباه فعددها الناظرون. ويبعد أن يقال أن ابن المقفع سمى الرسالتين معاً باسم واحد لمخالفته في الظاهر لمقتضى الحكمة. ولو قلنا أنه سمى إحدى الرسائل فيبعد مع قرب عصر الناقلين عنه وقوع الاشتباه في المسمى مع شدة عنايتهم بجميع ما قال. أما الرسالة الثانية فمنقولة عن كتاب المنثور والمنظوم المحفوظ في دار الكتب المصرية لمؤلفه أبي الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور من أبناء خراسان ولد كما جاء في فهرستها سنة ٢٠٤ وتوفي سنة ٢٨٠ وهاك ما أورده ولم نحذف منه إلا بعض جمل أسرنا إليها بحرف (فـ) لأنها محرفة جداً ولم نهتد إلى وجه الصواب فيها قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر: ومن الرسائل المفردات اللواتي لا نظير لها ولا أشباه وهي أركان البلاغة ومنها استقى البلغاء لأنها نهاية في المختار من الكلام وحسن التأليف والنظام الرسالة التي لابن المقفع وهي اليتيمة فإن الناس جميعاً مجمعون أنه لم يعبر أحد عن مثلها ولا تقدمها من الكلام شيءٌ قبلها ومن فصولها قوله في صدرها ولم نكتبها على تمامها لشهرتها وكثرتها في أيدي الرواة فمن فصولها قوله في صدرها:
وقد أصبح الناس إلا قليلاً ممن عصم الله مدخولين منقوصين فقائلهم باغ وسامعهم عياب وسائلهم متعنت ومجيبهم متكلف وواعظهم غير محقق لقوله بالفعل وموعوظهم غير سليم من الهزء والاستخفاف ومستشيرهم غير موطن نفسه على إنفاذ ما يشار به عليه ومصطبر للحق مما يسمع ومستشارهم غير مأمون على الغش والحسد وإن يكون مهتاكاً للستر مشيعاً للفاحشة مؤثراً للهوى والأمين منهم غير متحفظ من ائتمان الخونة والصدوق غير محترس