للوهراني صورة منام رآه أو تخيله أتى فيه بكل حلاوة اعتذر ابن خلكان بطوله عن ذكره في ترجمة الرجل. رأى كأن القيامة قامت والناس يعرضون على الديان بأعمالهم فوصف حال فريق الجنة وفريق السعير بألفاظ لو عرت عن البذيء لساغ نشرها على رؤوس الملأ فسأل عن بعض من يدعون التصوف وهم بعيدون منه فقيل له هؤلاء قوم غلب عليهم العجز والكسل في الدنيا فهربوا من كد الصنائع والأعمال إلى زوايا المساجد والمشاهد بحجة العبادة والانقطاع فلا يزال أحدهم يأكل وينام حتى يموت. قال: فبأي شيءٍ كانوا ينفعون الناس ويعينون بني آدم فقيل له: والله بلا شيءٍ البتة ولا كانوا إلا كمثل شجر الخروع في البستان يشربون الماء ويضيقون الطريق وليس لهم ثمرة.
ثم قال: ومشينا معه (في المحشر) مقدار أربعة فراسخ وإذا بجمع عظيم يحتوي على مشايخ وشبان وكهول قد حف مجلسهم السكينة والوقار وجلالة الملك والرياسة تلوح على وجوههم فسألنا عنهم فقيل هؤلاء السادة والقادة من بني شمس فدخل قسيم الأعور حتى وقف بين يدي عظيمهم فقال: يا خال (كذا) المؤمنين يا كاتب وحي رب العالمين نحن قوم من محبيكم وقد طردنا عن الحوض لأجلكم ونحن هالكون من شدة العطش بسببكم فقال: لك بينة تشهد بما تقول فقال: نعم جماعة من شيعتكم ومحبيكم الأكراد فقال: أحضرهم فقال: ابعث معي رجلاً شامياً فتخلل الناس ونادى بأعلى صوته: يا عبد الملك بن درياش (؟) قاضي قضاة مصر في أيام الملك الناصر صلاح الدين فلم يجبه أحد. فوقع ابن بدر مغشياً عليه من شدة الأوام فقعدنا عند رأسه وسألنا هل عندكم قطرة ماء نبل بها حلقه. فقالوا: لا والله لو تقدمتم قليلاً لما احتجتم إلى هذا كله. فقلنا له: وكيف ذلك. فقال: لأن أم حبيبة زوجة النبي (ص) تبعث إلى أخيها معاوية كل يوم خمس ثلجيات مزملات كل ثلجية مثل جبل الثلج عشرين كرة فيها الماء الخاص من عين التسنيم. يدفع واحدة منها إلى عمرو بن العاص والأخرى إلى زياد بن أبي سفيان وذويه والأخرى إلى مروان بن الحكم وذويه والأخرى إلى سعيد ابن العاص وذويه ويقسم الواحدة في آل أبي سفيان.
وما كان أسرع من أن حضرة القاضي في جماعة من الأكراد فتقدموا إلى معاوية فسلموا