فقدت بلاد فارس صاحبها الحكيم ومدبرها العظيم وأباها البر الرحيم الطيب الذكر مظفر الدين شاه. توفاه الله في الشهر الماضي عقيب مرض طالت به برحاؤه واشتدت عليه بلواؤه. داء النقرس والكليتين. فشق نعيه على كل من عرف ما لاقته أمته في عهده من صلاح الحال وحسن المآل.
ولد في ١٤ جمادى الثانية سنة ١٢٦٩ وأمه أميرة من الأسرة المالكة ولما شب أخذ في تلقينه العلوم الابتدائية ثم نصب وهو يافع ولياً للعهد وجعل والياً على أذربيجان وأقام في قاعدتها مدينة تبريز معهد أولياء العهد في الحكومة الفارسية وهناك أخذ يتلقى اللغات والعلوم فاحكم منها الفارسية والعربية والتركية والفرنسية وحذق الرياضيات والعقليات والتاريخ والجغرافيا وفن المدفعية وبقي يمارس أعمال الإدارة تسعاً وثلاثين سنة كان في خلالها مظهر العطف والرأفة ومثال العدل والحكمة حتى يروى أنه كان يقول لا وليت ملكا أبناؤه فيه عبيد.
تولى عرش السلطة في ٢٣ ذي القعدة سنة ١٣١٣ وإبان فيها عن دراية واسعة ولقد حاول لأول أمره أن يدخل إلى بلاده من الإصلاحات ما تأمن به عوادي الأغيار ويعيش أهلها في نعيم وغبطة لكنه حاذر من نفوذ رجال الدين والإشراف في مملكته وتعصبهم الذي يمازحه جهل بالحديث وجمود على القديم فعزم أن يمهد لذلك بأن يرحل إلى أوربا ويصحب معه زمرة من رجال قصره وأكابر دولته ليروا بأعينهم ما في الغرب من حضارة رافعة وانتظام شامل فيعودوا وقد تشبعوا بفكر الإصلاح ويكونون يده اليمنى في العون عليه ولكن لم يجد منهم في رحلاته الثلاث ما كان يتوقعه وانصرف هناك معظمهم إلى شهواتهم وما خصوا للنظر فيما يقصد إليه مولاهم ولا نزراً من أوقاتهم ولا أعاروه نظرة من التفاتهم.
حتى إذا كانت هذه السنة نزع جماعة من الأمة في طهران إلى الثورة ولجأ قسم منهم إلى السفارة الإنكليزية وهاجر قسم إلى الأماكن الطاهرة في العراق أو يدخل الشاه الإصلاح المطلوب وعندها وجد وسيلة إلى منح الأمة ما كان يجول في صدره منذ سنين فمنحها الدستور وشرع لها قاعدة الشورى الإسلامية ولقد خاف أن يدركه الأجل ولم تستحكم من مجلس الأمة قواعده ولما اشتد عليه المرض دعا إليه ولي عهده وأمره بأن يوقع على ورقة كان ألقاها إليه فوقع عليها بدون أن يراها تأدباً وقال له هذا هو الدستور الذي منحناه للأمة.