وهي رسالة كتبها بالفرنسية حضرة العالم المدقق الكنت دي لاندنبرغ الأسوجي وقدمها إلى علماء المشرقيات في المؤتمر الدولي الرابع عشر المجتمع مؤخراً في الجزائر. والمؤلف من شيوخ العلم في اللغات الشرقية وخصوصاً العربية وله أصحاب كثيرون في بلاد العرب عرفوه في خلال رحلاته العديدة إلى بلادهم ولاسيما في مصر وسورية وجنوبي الجزيرة وله تآليف كثيرة أفادت التمدن وانتفع بها طلاب العلم. افتتح كتابه هذا بالثناء على عالمين فرنسيين مشهورين سلفستر دي ساسي وكاترمير اللذين جعلا العربية بما توفرا عليه من الدراسة والتدريس علماً أوربياً وبواسطتهما انتقل تعلمها إلى ألمانيا وأولع بنوها بتعلمها وخدمتها أحسن خدمة ثم انتشرت في سائر أنحاء أوربا.
وقد عني المؤلف منذ خمس وثلاثين سنة بدراسة اللغة المحكية حتى كان بعضهم في مصر والشام - على ما قاله عن نفسه - يصفونه بأنه مجنون لكثرة عنايته بلغة يحتقر أهلها فصيحها فما الحال بعاميها وقال أن شأنه في ذلك بداءة بدء كان شأن الرسول (ص) لما أخذ يدعو وقومه إلى الدين فيقولون أنه مجنون. وبعد الأعوام الطويلة التي قضاها في تتبع لهجات العرب من مظانها ودراسة الشعر قبل الإسلام والاطلاع على ما أبقوا في اليمن وسورية من الآثار التاريخية المزبورة على الصخور في القفار أيقن أن اللغة المحكية اليوم كان لها حظ من الانتشار قبل الإسلام وأن العرب في ذلك العهد لم يكونوا كما أدعى بعض الباحثين جهلاء أميين أو أنهم خلقوا من لا شيء كما خلقت منيرفا من رأس المشتري ويكفي أنهم كانوا على شيء من المعرفة أن رعاة تلول الصفا وغيرهم من جيرانهم خلفوا ألوفاً من الأحجار عليها خطوطهم وربما كتبت قبل الحميرية اليمانية.
ومما استدل به على وجود علاقة بين اللغة الفصحى والعامية وأن العامية كان يتكلم بها في بعض أنحاء الجزيرة أن الإعراب والتنوين قد ظهرا كل الظهور في الخط المسند البابلي الذي عثر عليه حديثاً في شريعة حمورابي وأن الإعراب والتنوين معروفان قبل تلك الكتابة ويقول بعض الباحثين في اللغة الآشورية أن عهد ذلك يرد إلى سنة ٢٨٠٠ ق. م ويرده آخرون إلى ٣٧٥٠ ق. م.