للتوقيت فائدة جلية في شؤون البشر وحياتهم الاجتماعية كما أن للنظام وحسن الترتيب شأناً في النهوض والحضارة. يعرف ذلك كل من له إلمام بحال الغربيين وما استفادوه من قوانينهم على اختلاف ضرر بها. والطعام كما علمت قوام الأبدان ولا تستقيم إلا بحسن تناوله واختيار الأوقات المناسبة له وفي ذلك تدبير الصحة وراحة العقل والجسم. ولا يتأتى تنظيم الأوقات إلا في بلاد غلبت عليها الحضارة وصفت موارد عيشها وحسنت أذواق أبنائها ومهما حاول الرجل في البلاد المنحطة أن يسير على مناهج المتحضرين فلا سبيل له إلى ذلك إذ يتعذر الجري على النظام الخاص إذا لم يتقدمه نظام عام وطيب العيش أشبه بسلسلة إذا حسن انتساق بعضها أمن انتساق الآخر والعكس بالعكس.
قام منذ حين جماعة من رجال الفرنسيين أولعوا باختيار الأحسن وتوفروا على التفكر في استكمال أسباب الراحة فأنشأوا يخاطبون بني قومهم في معنى محاكاة الجنس اللاتيني للجنس الإنكليزي السكوني في عاداتهم وأخلاقهم وقوانينهم وأوضاعهم موقنين بأن لا سعادة لذاك العنصر إلا بنزع ما رسخ فيه من الملكات على غابر الدهر والاهتداء بهدي السكسونيين في منازع حياتهم الاجتماعية والسياسية والأدبية. ومن جملة ما ارتأوا إصلاحه عندهم تنظيم أوقات الطعام ومعاطاة الأشغال على الطريقة الإنكليزية النافعة. قال بعضهم لو ذهب ذاهب إلى لندن عاصمة الأعمال الصناعية والتجارية لما شهد للأشغال حركة إلا الساعة العاشرة قبل الظهر حركة تتصل اتصال الشؤبوب إلى الساعة الخامسة بعد العسر. أي أن القيام بالأعمال التجارية يجري في سبع ساعات وذلك ما خلا السبت فإن المستخدمين ينقطعون عن أعمالهم الساعة الثانية بعد الظهر ولا يتعاطون شيئاً من الأعمال أيام الآحاد. فيهبُّ الإنكليزي من فراشه كل يوم ويتغذى غداء كافياً كضلعين أو ثلاثة من أضلاع الغنم أو العجول وبيض نيمبرشت وقطعة من فخذ الخنزير أو كتفه وصحفة من البطاطس وهو طعام الصباح لا كما يفعل الفرنسيين ويجري عليه معظم أهل البلاد المتمدنة في الشرق من الاكتفاء صباحاً بالشاي أو القهوة أو اللبن أو تناول شيء من المربيات والحلويات مع قطعة من الخبز السميذ أو المحمر.