فإذا ملأ المستخدم الإنكليزي معدته صباحاً بهذا الطعام لا يتناول الوجبة الثانية إلا الساعة الخامسة اللهم إلا مرة نصف النهار حيث يتناول قطعة من اللحم رقيقة في قطعة من الخبز الساندويش مع كأس من الجعة الخفيفة المعروفة عندهم ولا يقطع عمله لذلك إلا بضع دقائق ويظل هذه الساعات مكباً على عمله بلا انقطاع. ذلك لأنه ثبت للباحثين في الحياة البشرية أن الإكثار من تناول الطعام في الهاجرة ثم أخذ النفس بمعاطاة الأعمال وخصوصاً العقلية مما يمرض النفس والجسم فتكون المعدة ممتلئة لا يحتاج الجسم معها إلا إلى المحاورة والراحة ليسوغ الهضم ويأخذ الدم مجراه وهذا متعذر على أرباب الأشغال من الفرنسيين ومن حذا حذوهم من الأمم وخصوصاً إذا دعي أحدهم إلى طعام غيره وأريد على مخالفة عادته من الإكثار من الأطعمة والألوان.
أما الإنكليزي فله من الغذاء الكافي الذي يقضمه ويفطر عليه ما لا يشتكي معه جوعاً ولا شبعاً ريثما ينجز أعماله اليومية. بل يكون له من طعامه ما يدب الحرارة الغريزية في جسمه على نحو ما يدبُّ الوقود في آلة التحريك والتنقيل في السكك الحديدية التي يقذف موقدها بالفحم الحجري أبداً. ولا يضيع وقته ويقطع سلسلة عمله في أبرك أوقات نهاره لأن الوقت من ذهب كما يقول المثل الإنكليزي. ومن دين كل إنكليزي أن يحتفظ بالنظام والانتظام ويرعى الواجب ويقوم بما يعهد إليه أحسن قيام وبهذا كان الهجوري في نظره مضيعة للوقت ومجلبة لصد صاحبه عن إنجاز واجباته ومفسدة للصحة.
قال الكاتب الذي اقترح على قومه اختيار الترتيب السكسوني وعندي أن الفرنسيين يضيعون أوقاتهم ولا يسيرون في أعمالهم على وتيرة واحدة إذ أن البداءة بالعمل حوالي الساعة التاسعة صباحاً وجعل فاصلة فيه قدر ساعتين لتناول طعام الظهر ثم معاودة العمل إلى الساعة السابعة مما لا فائدة فيه كما هو الحال في طريقة الإنكليز فحبذا لو تقيلنا مثالهم ونسجنا على منوالهم في طعامهم وشرابهم وأعمالهم. أما نحن فنقول أننا معاشر المشارقة لو نظرنا في أحسن ما اعتاده زعماء الحضارة من الأمم في أمور معاشهم واخترنا أنفعه لنا وأمسه بحاجتنا مع تعديل يوافق كل قطر واعتدال ينطبق على مقتضيات العصر إذاً لأحسنا صنعاً وزدنا عائدة ونفعاً.