للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمام هذا التراث لا نستطيع أن نعتمد مقاييس الكم والكيف إلا ونجد أنهما متكاملان، فما أعطى الراحل الكريم عطاءً مرتجلاً، ولا كتب في أمور لم ينقص حتى أدق خصائصها وهو في هذا يقول (١): "وأهم ما أولعت بمطالعته بعد درس المطبوع من كتب الأدب العربي وجانب من المخطوط الذي عثرت عليه، كتب الفلاسفة وعلماء الاجتماع وأحوال الشعوب ومدنياتهم وطالعت بالفرنسية أهم ما كتبه فولتير وروسو ومونتسكيو وبنتام وسبنسر، ونوليه، وتين، ورنان، وسيمون، وتدارست المجلات الفلسفية والاجتماعية والتاريخية والأدبية باللغة الإفرنجية، وجريت منذ نشأت على قاعدة مطردة لم أتخلف عنها قيد شبر وهي أن أقرأ أكثر مما أكتب، وقلّما دونت موضوعاً لم أدرسه، في الجملة ولم تتشربه نفسي" (٢).

[موهبة واعدة ومبكرة]

وحتى نقف على المراحل التي كونت الأبعاد الفكرية لهذه الشخصية التي تتميز بكثير من صفات التفرد، لابد من استطلاع المحطات الأساسية في السيرة الحياتية والعلمية والثقافية لها، خاصة وإن جميع الدراسات التي وضعت عنها أشارت إلى أهمية الوقوف أمام المحطة الأولى، محطة ظهور الموهبة الواعدة لدى الشاب اليافع محمد كرد علي في وقت مبكر، وبالتحديد في الثالثة عشرة من عمره ... فقد كانت ولادته في دمشق سنة ست وسبعين وثمانمائة وألف للميلاد أي في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والمنطقة العربية ترزح تحت نير الحكم العثماني حيث لا مدارس ولا معاهد ولا جامعات، بل كتاتيب صغيرة يتعلم فيها الأطفال القرآن الكريم وبعض فرائض الصلاة والصوم، باستثناء عدد محدود من المدارس ليس متيسراً لأبناء عامة الشعب (٣).


(١) ـ المذكرات ـ أربعة أجزاء.
(٢) ـ المصدر السابق.
(٣) ـ عبد الغني العطري ـ كتاب (عبقريات شامية).