استفاض في الناس أمر السكة الحديدية البغدادية التي تجتاز آسيا الصغرى من أقصاها إلى أدناها وتقرب بلاد فارس والخليج الفارسي من أوربا. وسيبلغ بالقطار الحديدي عما قريب إلى بغداد وكانت معدودة من قبل من مدن ألف ليلة وليلة. فترن صفارة البخار وتجاوبها أصداء بلاد الكلدان والفرات ويحرك التمدن الحاضر بما خص به من الصفات قبور أخلاف بختنصر. وليس الخط البغدادي أول سكة امتدت في ذاك الرجا فقد وجدت منذ عهد بعيد في غربية خطوط حديدية أخرى نال امتيازها ماليون مختلفة أجناسهم والدولة تمدَّ معظمها بالمال وتعطيها ضمانات عن كل كيلومتر تختلف من عشرة إلى تسعة عشر ألف فرنك. أنشئ أول خط حديدي سنة ١٨٥٦ وهو من أزمير إلى آيدين واحتفل بافتتاحه سنة ١٨٦٦ ثم اتصل بدينار وامتدت منه ناشطة أو فرع إلى تيره وسوكه وجوريل وبوجه وسيدي كوي ودكزلي. وطول هذه الخطوط خمسمائة كيلومتر. وسنة ١٨٦٦ أيضاً افتتحت سكة حديد أزمير - قصبة التي امتدت بعد أفيون قره حصار وأخذت منها ناشطة إلى صوما وطول هذا الخط بأجمعه خمسمائة كيلومتر أيضاً.
وفي نحو سنة ١٨٧١ شرع بإنشاء خط مدانيا - بورصة. وفي نحو ذلك العهد أنشأت الحكومة خطاً يكون متمماً لخط عظيم يصل إلى الخليج الفارسي بادئاً من اسكدار أو حيدر باشا ومنتهياً بأزميد. وسنة ١٨٨٩ نالت شركة ألمانية امتيازاً بمد خط حديدي من أزميد إلى أنقرة ماراً باسكي شهر وطوله ٥٧٦ كيلومتراً ولم يتسن إيصال الخط إلى بغداد ماراً بسيواس. وفي غضون ذلك أنشئ الخط الحديدي من مرسين إلى آذنة ماراً بطرسوس وهو الخط الذي سيصبح من فروع السكة البغدادية. وكل هذه الخطوط تربط المدن الساحلية ببعض الداخلية إلا قليلاً.
أما خط أنقرة وقيصرية فأخذ امتيازه لكنه لم يجر تخطيطه. وفي سنة ١٨٨٨ مدَّ خط من يافا إلى القدس وسنة ١٨٩٠ شرع بمد خط حديدي من بيروت إلى دمشق ماراً برياق ثم دمشق - مزيريب ثم فرع رياق - حماه. دع الخط الحديدي الذي أنشئ من دمشق وسيتصل بالمدينة ومكة ماراً بعمان فإنه ليس من الخطوط المعدودة من آسيا الصغرى.