كان الإفرنج قبل أن يعنوا بدرس اللغات الشرقية ينسبون أشياء جمة إلى العرب ويقولون عنها أنها خرافات لا نصيب لها من الحقيقة بل ولا أثر لها في عالم الوجود.
ولما أخذوا بالبحث عن تلك الأمور والإيغال فيه ناموا يرجعون شيئاً فشيئاً عما عزوه إليهم تحكماً أو تهكماً وبدأوا ينضمون إليهم مستصو بين أقوالهم. إلا أنه مما يمكن أن يقال في هذا الصدد أن الناطقين بالضاد بالغوا في ذكر بعض الأمور العرضية حتى كاد الجوهر يخرج عن طوقه بما حملوه الوهمية نقلاً عمن ليسوا من فرسان الميدان. ومن هذا القبيل هاتان المدينتان اللتان نريد أن نبحث عنهما في نبذتنا هذه.
أخلاف اللغات فيها
قال في اللسان في مادة جبلق: التهذيب: جابلق وجابلص (أي بفتح البآء الموحدة التحتية وفتح اللام في كليهما على ما ضبطتا كتابة) وأما في القاموس فقد ضبطهما أيضاً بالفتح في جابلق وبالفتح أو بالسكون في جابلص. وذكرها ياقوت في معجمه: جابرس وجابلق أي براء مهملة ساكنة بعد الياء الموَّصلة التحتية. وبلام ساكنة بعد الياء في الثانية ورواها صاحب البرهان القاطع روايات مختلفة الذكر فذكر في ٢: ٧٩ ج بلسان في جابلق. ورواهما أيضاً جابرسان وجابرُسا في جابلص. وحكى في شفاءِ الغليل إن المتكلمين يقولون جابلقآء وجبلصآء بالمدّ وخطأهم. وأرردهما الطبري في تاريخه بصور مختلفة أي جابرت وجابرس وهو يريد جابلص وجابلق وجابلقا وهو يرمي إلى جابلق. فهذه اللغات والروايات وإن اختلفت فهي واحدة في المرجع والأصل ثم اختلفت تبعاً لسنة المعرب أو الأعجمي على ما هو مشهور في ما أفرغ في قالب عربي. وتعاور اللام والراء في العربي الفصيح أمر مشهور كالطلمسآء والطرمساء وداهية لبسآءُ وربساء ونافة عبهر وعبهل فكيف في الدخيل. ومثله يقال في تبادل التاء والسين في لغة معروفة في اليمن وهي الوتم. ولا حاجة في التصريح بأن السين والصاد تترادفان في العربية والأمثلة تفوت الحصر (المزهر١: ٢٢٦ و ٢٢٧).
أقوال العرب فيها
قال في التهذيب: جابلق وجابلص: مدينتان إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب لس