انتهينا بكلامنا في الجزء السابق إلى آخر ما جاء به أفلاطون من الأبحاث الهندسية وها نحن الآن نسرد أسماء الكبراء في هذا الفن الذين قاموا بعده إلى هذا العهد.
في أواخر عصر أفلاطون اشتهر اخيتاس الذي أصاف شيئاً مذكوراً إلى المعلوم من خواص المنحنيات والقضايا المتعلقة بها واستغل كثيراً في قضية تضعيف المكعب التي فصلناها في مقالتنا السابقة ووضع أساساً للمكتشفات التي قام بها أرخميدس في الميكانيكيات واصطناعها على الأصول الهندسية.
ثم قام دينوكراط خريج أفلاطون وقسم الزاوية إلى ثلث زوايا متساوية مستعيناً عليها بالقوس التي سماها الرباعية. وجاء برسيوس فبحث في خواص اللولبيات وهو أول من اشتغل بالخطوط والسطوح اللولبية ووضع لها معادلات لاستخراج نصف قطرها ومعرفة زاوية الهبوط فيها.
وفي هذا العهد طلع كوكب الهندسة الشارق وبدرها الآفق نعني به المهندس إقليدس الشهير (٣١٥_٢٥٥ ق. م) ولعله أعظم من اشتغل بفن الهندسة منذ ظهورها إلى هذا اليوم. وليس هو منشئها أو مكتشف مبادئها كما يزعم الكثيرون من غير العارفين لأن أكثر قضاياها الخطيرة كانت معروفة قبل عهده ولا اشتغل بمسائلها الصعبة ولا أضاع زمانه للتوصل إلى حل قضية غير ممكنة ولا كشف كثيراً من خفاياها ولكنه خدمها أكثر من جميع العلماء الذين سبقوه أو تأخروا عنه فهو جمع كل القضايا التي كانت معروفة إلى عهده والتي حلها كبراء الفن قبله ورتبها في سلسلة محكمة الوضع مرتبة الحلقات جاعلاً برهان كل قضية مستنداً إلى ما قبلها وأدخل البرهان الخلفي في إثبات كثير من القضايا الهندسية وذلك عبارة عن رد الوجوه المطلوب نفيها إلى عدم الإمكان فلا يبقى إلا وجه واحد ممكن كقولهم إذا فرض تفاوت زاويتي مثلث وجب تفاوت وتريهما والزاوية الكبرى يقابلها الضلع الأطول فهو يثبت هذه الدعوى بأن الضلعين لا يمكن أن يكونا متساويين لأن ذلك يقضي بكون المثلث متساوي الساقين ويفضي إلى تساوي الزاويتين وهذا مخالف للغرض القائل بتفاوتهما ولا يمكن أن يكون الضلع المقابل للزاوية الصغرى هو الأطول لأن ذلك يقضي لزاويته بالزيادة وهو مخالف للغرض أيضاً فلم يبق إذن إلا أن يكون وتر الزاوية الكبرى أطول من وتر الزاوية الصغرى وهذا هو المطلوب إثباته. وقد استخدم إقليدس هذا