نقدم أبو تمام الطائي فيما نحسب غيره من زعماء القريض وحملة رايات الأدب فجمع ما وقع اختياره عليه من شعر العرب العرباء وسماه (الحماسة) وحذا حذوه غيره من ضم شتيت شعر العرب ولكل اختياره ومنهم الشيخ أبو الحسن صدر الدين علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري ألف حماسته برسم الملك الناصر صلاح الدين بن الملك العزيز بن الملك الظاهر سنة ٦٤٧ هجرية وسماها الحماسة البصرية.
قال في مقدمته: توخيت في تحرير مجموع محتوٍ على قلائد أشعارهم (العرب) وغرر أخبارهم مجتنباً للإطالة والإطناب بما تضمنته أبواب الكتاب كأمالي العلماء وحماسات الأدباء ودواوين الشعراء من فحول المحدثين وجواهر الكلام غير أهم قد نسبوا فيها أشياء إلى غير قائلها ولم يقيدوا الكتاب بترجمة أبواب فغدت فرائده متبددة الانتظام مستصعبة على الحفظ والإفهام فجاء مشتملاً على غرائب البديع وملح التصريف والترصيع ثم أن الشعر على اختلاف معانيه وأصوله مبانيه ينقسم إلى نعوت وأوصاف فما وصف به الإنسان من الشجاعة والشدة في الحرب والصبر في مواطنها يسمى حماسة وبسالة وما وصف به من حسب وكرم وطيب محتد سمي مدحاً وتقريظاً وفخراً وما أثني عليه بشيء من ذلك ميتاً يسمى رثاءاً وتأبيناً وما وصفت به أخلاقه المحمودة من حياء وعفة وإغضاءٍ عن الفحشاء ومسامحة الأخلاء سمي أدباً وما وصف به النساء من حسن وجمال وغرام بهن سمي غزلاً ونسيباً وما وصف به من إيقاد النيران ونباح الكلاب سمي قرى وضيافة وما وصف به من بخل وجبن وسوء خلق ونميمة سمي هجاءً وما وصفت به الأشياء على اختلاف أجناسها وأنواعها سمي نعتاً ووصفاً وملحاً وما ذكر به الإنابة إلى الله تعالى ورفض الدنيا سمي زهد وعظة وهاك نموذجات منه قال رجل من لخم يحرض الأسود اللخمي وذلك أنه كانت حرب بين ملوك غسان وملوك العراق وهم لخم فظفر الغسانيون باللخميين وقتلوا جماعة منهم ثم في آخر السنة التقوا في ذلك الموضع وكان قد جمع اللخميون جمعاً عظيماً فظفروا بالغسانيين وأسروا منهم جماعة وأراد ملكهم ابن المنذر الأسود البقاء عليهم فقام رجل من قومه وكان قد قتل له أخ يحرضه على قتلهم فقال:
ما كل يوم ينال المرءُ ما طلبا ... ولا يسوغه المقدار ما وهبا
واحزم الناس من أن نال فرصته ... لم يجعل السبب الموصول مقتضبا