لا أرى إنساناً يصف نفسه بأنه يقتلها في العمل خليقاً بأن يكون حكمه معقولاً لأن العمل في ذاته لا يقتل بل هو على العكس شرط الصحة وموازي القوى. إذاع في العهد الأخير أحد الدعاة إلى نزع الملكية المتحمسين المخلصين بأن دور السعادة أتى وأنه سيكفي المرء بعد
الآن أن يعمل كل يوم ساعة وثلثاً ليقوم بحاجاته الخاصة ويوفي ما للمجتمع عليه من المطالب.
وهو نظر في المستقبل لم أحفل به بتة إذ لم يقع من قلبي موقعاً لعلمي بأن الأنقطاع عن العمل اثنين وعشرين ساعة وأربعين دقيقة هو مما يؤدي بالإنسانية إلى مواقع الضعف الطبيعي المحزن
والغفلة التي تغشى الأبصار والبصائر سيئاتها. هذا إذا لم أقل أن هذه البطالة والإغراق في عدم
استعمال قوانا ربما يدفعاننا إلى السقوط فيما سقط فيه أسلافنا الأول من الوحشية. على حين نرى
العمل اليومي الطويل ضرورياً لتجديد قوانا وهو منظم غريب في جهادنا العصبي فعلينا والحالة
هذه أن لا نتطال إلى الأقلال منه بدون تبص.
لا يموت كبار العاملين شباباً كما يموت أسوأ الخاملين والأمراض السارية لا تبقى على النساء المنقطعات عن العمل وتتنأول الرجال المجدين في تعاطي أعمالهم. وكذلك الحال في رجل له دخل يعيش في إحدى الولايات فتراه لا عمل له إلا أن يقرأ جريدة ويذهب ليتفرج على مرور القطار السريع تراه يشيخ بسرعة على نحو ما يشيخ ذاك الطبيب من معارفي وهو يستيقظ الساعة السابعة صباحاً من نومه ويذهب ليقوم بوظيفته في المستشفى ثم يلقي درساً في المدرسة
الطبية ويسأل المرشحين في الفحوص ويطب عشرين مريضاً أحسن تطبيب ويكتب عشر رسائل ويدير دفة أعمال المباحث في معمل كيماوي ويرأس لجنة طبية وينشر كل سنتين أوثلاث سنين مجلداً ممتعاً من قلمه. نعم إنك لترى الشعوب المفرطة في الكسل مهما كان