فقدت مصر في العهد الأخير رجلين حري بتاريخ العلم والأدب أن يدون ترجمتيهما في صفحاته وأعني بهما الدكتور حسن باشا محمود وإبراهيم بك المويلحي. الأول عالم والثاني كاتب أو طبيب وأديب. ولد الأول في مصر سنة ١٨٤٧م على ما نقل أحد أنجاله ووالده من العرب النازلين في جوار الأهرام ولما ترعرع ظهرت عليه آثار النجابة فدخل القصر العيني ونال شهادته الطبية ثم بعثت به الحكومة المصرية إلى ألمانيا فقضى فيها سنتين ثم انتقل إلى باريس وأحكم الطب علماً وعملاً حتى إذا عاد إلى القطر عين في وظائف مهمة مثل نظارة القصر العيني وطبيب الأمير طوسون باشا وطبيب الخديوي إسماعيل وابنه توفيق ومفتش الصحة العامة. وانتدبته الحكومة في عدة مهمات نائباً عنها في المؤتمرات الطبية الدولية ورأس الجمعيات الطبية في مصر مرات وكان عضواً في عدة جمعيات طبية وعضواً في المجمع العلمي بمصر.
وكان على وفرة مشاغله كبير العناية بالتأليف والتعريب حريصاً على الاستفادة والإفادة أميل في أعماله إلى الجد على ما يظهر من تآليفه محبباً إلى الناس. كتب رسائل وكتباً طبية كثيرة نشر بعضها على حدة وبعضها في المجلات. وأهم كتبه الخلاصة الطبية في الأمراض الباطنية وهو كتاب لطيف الأسلوب والوضع سهل المأخذ ومنها رسالة في الهيضة وأخرى نبذة في مدرسة الطب المصرية ورسالة في خلع المعصم وكتاب في داء الفقاع وكتاب في الاستكشاف العصري في الرمد المصري وكتاب الفوائد الطبية في الأمراض الجلدية ورسالة في منافع مياه حلون ومختصر في البواسير ومعالجتها وطريقة التمدد ورسالة في حمى الدنج ورسالة في داء الطاعون البقري الساري ورسالة في وباء الهيضة وغير ذلك وظل يكتب إلى آخر أيامه ولا يستنكف من نشر ما يكتبه في المجلات تعميماً للفائدة.
أما إبراهيم بك المويلحي فقد ولد في أوائل سنة ١٢٦٢هـ وهو من بيت معروف بالغنى والوجاهة اضطرته الأحوال بعد أن خسر ماله في المضاربات أن يستخدم في الوظائف على عهد الخديوي إسماعيل وكان يحبه ويأتمنه ويحسن إليه وقد قضى معه عشر سنين في نابولي كاتماً لأسراره وقضى نحو هذا الزمن في الأستانة. والذي يهمنا من أمره أنه كان من أعظم النوابغ في الإنشاء. وقد أكد لنا من نثق بذوقه في البلاغة وعلو الكعب في