العفة خلق يعصم صاحبه عن تناول ما لا يحل: فإذا عرض له ملذوذ محرم، أو سنحت له شهوة محظورة حال هذا الخلق الكريم بينه وبين التلوث بها، وقد غلب استعمال كلمة العفة في تجنب قاذورة الزنا، ومن أكرم نفسه عن هذه القاذورة كان في منجاة من خزي الدنيا، وعذاب الآخرة، ويكفي الزاني خزياً في دنياه أن يكون محتقراً في ذويه معرضاً للعاهات والأمراض الخبيثة، وأن يصبح قدوة سيئة لأهله وولده في سلوك هذا الطريق المشؤوم، وإني أعرف رجلاً ابتلي بهذه الرذيلة فكان له في كل يوم خليلة يختلف إليها، وينفق من رزق عياله عليها، وكان له زوجة وأولاد: فلم يكن أمره ليخفى عليهم مهما بالغ في التكتم، ولما بلغ أكبر أولاده من الرشد مال إلى هذا المنكر ونما في نفسه حب الفاحشة، فجعل يسافر من بلد إلى بلد في تطلب الفتيات، وتصيبهن، والإنفاق عليهن وكيف يكون موقف الأب إزاء عمل ابنه هذا؟ أتراه يقدر على كبح جماحه وإرجاعه عن غيه، وإقناعه بأن ما هو فيه يؤدي إلى قبح الأحدوثة، وضياع الشرف، وخسارة الصحة وعذاب الآخرة فإذا نصح له أبوه بمثل هذا القول ماذا يكون جواب ابنه له يا ترى؟ وفي مثل هذه القصة قال الشاعر في المثل السائر:
إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً ... فلا تلم الصبيان فيه على الرقص
وقديماً ما تمدح العرب بالتخلق بالعفة، والابتعاد عن التلوث بقاذورة العهر، بل تجنب كل ما يلحق بهم ريبة، أو يدعو إلى سوء ظنه، فكان أحدهم لا يزور امرأة جاره في غيبة زوجها تأثماً وتكرماً.
وإذا كان جواداً مثل حاتم الطائي، وكان له جار بادي الخصاصة، احتال في إرفاد زوجته أثناء غيبته من دون أن يلم بها، أو يدخل بيتها وقد دل حاتم على خلقه هذا في قوله:
وما تشتكيني جارتي غير أنني ... إذا غاب عنها بعلها لا أزورها
سيبلغها خيري ويرجع بعلها ... إليها ولم تسبل علي ستورها
قوله وما (وماتشتكيني) أي لا يمكنها أن تشكوني إلى نساء الحي فتقول: إن حاتماً بخل علي، ومنع عني معروفه، في غياب زوجي، لا تقول ذلك لما أني كنت لا أقصر في فعل