ترى الناس على اختلاف مذاهبهم ونحلهم وأجناسهم مجمعين على انتقاد أعمال القضاة والنواب شاكين كل حين من ظلمهم وغدرهم على أن العدل والأمن والراحة العامة وتأمين الحقوق في أيديهم وحياة الأمة وعمران الوطن وسعادته تتوقف على إصلاحهم فهم على ما هم عليه من المكان من حيث الدين والدنيا نرى أكثرهم كانوا من أكبر المخربين في هذا المجتمع الإنساني وقد تيسر لي اختبار أعمالهم وأفعالهم فرأيت أن أكتب شيئاً عنهم غير أني لم أقدم عليه قبل الرجوع إلى أمهات الكتب الدينية والوقوف على حقائق هذا المنصب العظيم.
وقد أنشأت هذه المقالات بعد أنم طالعت مقدمة ابن خلدون وحاشية ابن عابدين وتكلمته والأشباه والأحكام السلطانية وتاريخ الطبري وتاريخ الكامل لابن الأثير ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة والميزان للشعراني وسراج الملوك وغيرهما ولذلك أرجو من وجد غرابة في بعض أقوالي أن يرجع إلى هذه الكتب المهمة.
القضاء
القضاء لغة: الحكم ويجيءُ بمعنى الفراغ والأداء وأما القضاء شرعاً فهو فصل الخصومات وقطع المنازعات غير أنه مظهر للأمر الشرعي لا مثبت.
كان النبي صلى الله عليه وسلم وحياً يوحى لا ينطق عن الهوى ولذلك لم يكن قضاءٌ في زمانه وفي مقر نبوته لأنه كان يأتي بالحكم أو يحكم مثلما يوحى إليه غير أنه عليه السلام لما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن أرسله إليها عاملاً وقاضياً وبعث علياً إلى جهة اليمن عاملاً وقاضياً فكان أمر القضاء ممتزجاً مع الإمارة في زمان النبوة ولما صار أبو بكر الصديق رضي الله عنه خليفة قال له أبو عبيدة أنا أكفيك المال يعني الجزاء وقال عمر أنا أكفيك القضاء فمكث سنة ولم يخاصم إليه أحد فكان عمر أول قاض في المسلمين.
ولما تولى الخلافة أدرك أن توسع أمر الفتح وكثرة الاشتغال بالسياسة يؤخره عن القيام بالقضاء ولى أبا الدرداء معه في المدينة وولى شريحاً في البصرة وولى أبا موسى