للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الصحافة العربية]

مضت نحو ثمانية عقود من السنين منذ أنشئت أول صحيفة عربية أنشأها محمد علي الكبير في هذه العاصمة وسماها الوقائع المصرية وأنشأ رفاعة الطهطاوي أول مجلة علمية سماها روضة المدارس. دامت الوقائع إلى اليوم وانقطع نشر الثانية بعد أن صدرت أربع عشرة سنة. وما لبثت الصحافة أن ولدت ونمت في أرض سورية ثم انتقلت إلى مصر في أواخر القرن الماضي وأوائل هذا القرن ودبت فيها ودرجت. فكأن الله خص مصر بأن تزكو تحت سمائها الأعمال العلمية كما تزكو تربتها بالأعمال الزراعية.

وما برحت الآمال معقودة بأن تبلغ الصحافة عما قليل أشدها ورشدها لتضاهي صحافة الأمم الراقية في موضوعاتها وتأثيراتها إذ أن العقلاء يذهبون إلى أن صحافتنا مازالت حالها على ما انتهت إليه غير متناسبة مع عمرها الطويل. والمعمر في الأعم من حالاته يشتد ساعده وزنده وتقوى ملكة عقله وعلمه بكثرة تجاربه وأسباب رويته. ولا خير في أمة لا يقوم بشؤونها شيوخ تفاخر بأعمالهم مفاخرتها بعقولهم وطول أعمارهم.

لا جرم أن تخلف الصحافة عن بلوغ مراقي الفلاح الحقيقي لأول أمرها ناجم عن كونها نشأت وسط أمة لا تعترف بالعلم إلا لرؤساء الأديان وهؤلاء لا يعدون من العلم في شيء إلا ما بحث في الأخرويات أو الزهديات أو الجدليات. وبين ظهراني أدباء يزعمون أن الأدب عبارة عما ألفوه من مد إطناب الإطناب في إطراء الكبراء والأسخياء وأرباب المظاهر والاغتراف من بحر المديح بالطويل العريض. وبين كتاب لا يعتقدون الكتابة إلا فيما اصطلحوا عليه من كتابة الصكوك والعقود والمواثيق. وبين عظماء موقنين بأن رؤساء الدين والعلم والأدب اتباع لهم. هكذا كان العلم والأدب في دور الصحافة الأول. ولا يفوتك العلم بأن من تنبهوا لها كانوا يشاكلون قومهم بعض المشاكلة في أدبهم وأخلاقهم لأنهم أبناء ذاك الوسط الذي هم بعض أفراده وسلالة تلك الطينة الشرقية التي جبلت بيد الضعة وصهرت بقطران المسكنة. ويعلم الباحثون في عقول الفصائل البشرية أن الشرقي ذكي مفطور على حب التقليد خصوصاً إذا تهيأت له الأسباب فقد نجد المصري أو السوري يتعلم شيئاً من لغات الغربيين فلا يعتم أن يقلدهم في مناحيهم وأطوارهم أما من ذهب إلى بلادهم ودخل مدارسهم فإنه يكون مثلهم إلا القليل. غير أن تقليدنا الغربيين في صحافتهم قد أبطأ وكان من حقه أن يتقدم كل تقليد. ذلك أن المجلات الدورية على ما في أكثرها من