للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رحلة إلى المدينة المنورة]

البلقاء

عَلَى نحو مائتين وأربعين كيلومتراً من جنوبي دمشق بين نهر الأردن غرباً وزملة العليا في طريق الحج شرقاً ونهر الزرقا شمالاً ووادي الموجب جنوباً إقليم واسع خصيب سهلي جبلي اسمه البلقاء كوله من الشمال إلى الجنوب ١٨ ساعة للفارس المجد وعرضه من الغرب إلى الشرق ١٦ ساعة أو نحو مئة كيلومتر في مئة كيلومتر وهذا الإقليم الذي يبلغ بمساحته ربع جمهورية سويسرا هو اليوم جملة قضاء عمل السلط ما عدا مسيرة ساعتين من الجنوب داخلة في عمل الكرك وقد حد القدماء إقليم البلقاء بأنه بين الشام ووادي القرى وقالوا أن فيه مدناً عظيمة كثيرة وأن قاعدته عمان وقيل أن السلط هي راموت جلعاد إحدى مدن اللجاء ومد اللاويين المذكورة في الكتاب المقدس وربما اشتق لسمها الحاضر الصلت أو السلط من لفظة لاتينية سالتوس ومعناها الجبال المشجرة وكانت فيا مضى مدينة أسقفية في العهد المسيحي وقد دك المغول قلعتها ثم عاد بناءها الظاهر بيبرس البندقداري.

وموقع السلط عَلَى منحدر جبلين متناوحين أشبه بمدينة زحلة في لبنان وكانت منذ ثلاثين سنة خالية من الحدائق والبساتين فتوفرت همة أهلها عَلَى استثمار الشجار والبقول فجاد أكثرها بما عندهم من العيون التي تروي زروع الوادي أما ما كان وراء المدينة من التلعات والآكام فقد كان حراجاً إلى عهد قريب وآثار بعض سنديانه وملوله ما برحت مائلة للعيان ولكن القوم قطعوها واستعاضوا عنها بزراعة الكروم التي يعد عنبها وزبيبها أجما ما تحمله هذه الشجرة المباركة في سورية وقد يكون العنقود الواحد رطلاً شامياً وأكثره بلا بزر يصدر من زبيبه ما تقدر قيمته كل سنة بنحو خمسة عشر ألف ليرة وفي جوار السلط قليل من شجر الزيتون سألنا أحد شيوخهم عن السبب الذي دعا إلى عدم استكثار القوم من غرسه فقال لا تذكرنا بغباوتنا فقد حملنا سعيد باشا شمدين أحد متصرفي نابلس أيام كان قضاؤنا تابعاً لنابلس عَلَى أن نغرس في هذه الولاية التي تراها مئة ألف زيتونة فوقع في نفسنا أن في الأمر دسيسة من الحكومة تريد بها وضع الضرائب الفاحشة عَلَى أملاكنا وتسجيل أراضينا عَلَى صورة لا نعود معها ملاكها الحقيقيين فصدعنا في الأمر في الظاهر وغرسنا أولفاً من شجر الزيتون ولكن أتدري كيف تخلصنا منه بعد؟ كان أحدنا يجيء ليلاً