عرف الإنسان منذ نشأته أن الاتحاد ذريعة لنيل سعادته ووسيلة للحصول عَلَى مراده فمال بالقسر إلى الاجتماع تكاتفاً عَلَى ما يتعلق بأمر معيشته من هجوع وترحال ومأكل ومشرب ودعاه إلى ذلك داعي العجز والتقصير للقيام بمقتضيات حياة المدنية كالزراعة والصناعة عَلَى اختلاف أصنافها والعلم عَلَى تعداد أنواعه فكان اجتماعه قسرياً ضرورياً لراحته ورفاهته عبرت عنه الحكماء بقولها الإنسان مدني بالطبع أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم.
ولما كان الإنسان ميلاً بالطبع إلى الظلم والعدوان كان من الضروري لاجتماعه وجوب وجود وازع يدفع بعض الناس عن بعض ويهتم بإصلاح شؤونهم وأحوالهم ومعيشتهم وإلا تضعضعت دعائم العمران ووهت أسبابه وقواعده لأنه ليس من الممكن عقلياً اجتماع أفراد بدون اتفاق فيما بينهم عَلَى كيفية نيل المعاش واقتسام الرزق ولا يمكن ذلك الاتفاق إلا بوجود وازع عادل يحدد حقوق كل فرد وواجباته طبقاً لقواعد أدبية واجتماعية تعرف الآن بالشريعة وهي لئن الآن اختلفت مبدأ باختلاف العادة والمكان لا تختلف غاية وهي المحافظة عَلَى حقوق الإنسان لقيام المجتمع البشري كما يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته: ولكي يتم للإنسان الاجتماع لابد له من سنن يكفله ولابد من العدل في هذه السنن أي مراعاة مصالح الجمهور المتبادلة ولا بد من احترامها كذلك وإلا انفصمت عروة الاجتماع وتداعت دعائمه: ولكن لما كان الإنسان كثيراً ما لا يسلك م نفسه الطرق المثلى المؤدية إلى ذلك إما عن عتوا أو غرور أو عن جهل وذهول كان لابد له من إقامة قوة يناط بها المحافظة عَلَى المقرر من السنن والاقتصاص ممن يحيد عن جادتها وإلا آل به الحال إلى الفوضى أي لابد له من وازع يكون من إذا لم يمكن أن يكون سواه يدفع عدوان بعضه عن بعض ويتهم بإصلاح شؤونهم اهـ.
فهكذا نشأت الشرائع والحكومات ولم تكن الأولى بداءة بدء سوى مجموعة عوائد وآداب بعضها ما فرضته الأديان وأخرى ما قضت الأحوال بإتباعه عفواً فأخذت ترتقي بعدئذ بالاتقاء الإنسان إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن كما أنه لا ينكر تغيير الأحكام بتغيير الأزمان.
فما الشريعة سوى خطة تسري الحكومة بموجبها فتحدد حقوق الجميع وهي مسئولة بالطبع