لدى هذا النظام عما تفعله بالنظر إلى رعاياها كما أن أرباب العائلات مسئولون أمام نظامهم عما يفعلون بالنظر إلى عائلاتهم لا بل تبعت الحكومة أعم من مواجب أرباب العائلات لأن رب العائلة تطالبه أُسرته وهو مسؤولية لها ولذمته في حين تكالب الرعية الحكومة والرعية مجموع أُسر عديدة فتكون مسئولة لها وللوطن كما قال أرسطو: العالم بستان سياجه الدولة والدولة سلطان تحيا به السنة والسنة سياسة يسوسها الملك والملك نظام يعضده الجنود والجند أعوان يكفلهم المال والمال رزق تجمعه الرعية والرعية عبيدٌ يكنفهم العدل والعدل مألوف وبه قوام العالم.
فينتج إذن مما تقدم أن نشوء الشرائع والحكومات كان قديماً بقدوم أول اجتماع نظراً لما في طبيعة الإنسان الحيوانية من الأثرة والعدوان التي تحول دون اجتماعه وتآلفه لولا حاكم عادل يحد لكل حقوقه حسب الشرائع المفروضة فتاريخ الشرائع مرتبط بتاريخ الحكومات وتاريخ الاجتماع البشري كل ارتباط أي لم يكن الاجتماع دون الحكومات لتحفظ كيانه وتذب عن حماه وتدفع عن حوزته ولم تكن الحكومات دون الشرائع لتسير بموجبها فتحدد بالقسط والسوية حدود الجميع لم تكن الشريعة بدون حكمة تسنها ولم تكن الحكومة بدون جمعية تحكمها كما قال الموبذان بن بهرم في حكاية البوم التي نقلها المسعودي الملك لا يتم عزه إلا بالشريعة ولا قوام بالشريعة إلا بالملك ولا عز للملك إلا بالرجال ولا قوام للرجال إلا بالمال ولا سبيل للمال إلا بالعمارة ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل والعدل الميزان المنصوب بين الخلقة نصبه الله وبه قوام العالم. اهـ.
قلنا الشريعة لم تكن بادئ بدءٍ سوى مجموعة آداب وعوائد قضت الأحوال بإتباعها عفواً ثم أخذت ترتقي بارتقاء الإنسان إلى أن وصلت إلى ما هي عليه الآن من الرقي والفلاح فهي إذاً مرآة صافية ينعكس عليها مركز الأمة في الجسم الاجتماعي كما ينعكس عليها أيضاً من عوائدها وأخلاقها ما يظهر لنا تأخرها أو تقدمها. فمن اطلع عَلَى شرائع الفرس واليونان قديماً وأهل سومطرة مثلاً في القرن الماضي ووقف عَلَى ما جوزته شرائعهم من سلخ جلد المجرم بالقتل وسحقه بين صخرتين أو طمره حياً في الرماد حتى يموت تحته خنقاً إلى غير ذلك من الفظائع الحيوانية كأن يلقوا المجرم إلى السباع أو يمزقوا جسده بالكلاليب أو يحرقوه حياً أو يشدوا أطرافه إلى أربع أفراس فيمزق المجرم بالقتل إرباً إربا عرف حق