للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فوائد الحرب]

مهما ارتقت المدينة ودعا دعاة الفلسفة فالحرب ما برحت العامل الرئيسي في أشغال المم. وبعيد أن يقال إن اكتشافات العلم تقلل الحروب بل من المحقق أنها بالمدينة أصبحت اشد فتكا وتدميراً. وإننا لو رجعنا إلى عهد كبار السفاحين عهد جنكيز وأنيلا لا نشهد في ساحات الوغى أرواحناً نزهق بقدر ما نرى في عصر الكهرباء والبخار. والقول بأبطال الحروب هو قول من يقول بأبطال الشيخوخة والموت من العالم. فان الجهاد بين الشعوب كان مصدر أهم الترقي ولا يرى كيف استطاع البشر الأول بدون حرب إن يخرج من دور التوحش ويؤسس هذه الممالك ألفخمة التي نشأت فيها ألفنون والعلوم والصناعات وبعد فأي حضارة كبرى لم تكن حربية بلحمتها وسداها؟ وأي شعب جنح إلى السلم والسكينة فكان له شأن في التاريخ غرس في فطرة الحيوان أن يأكل قويه الضعيف. لأجزم إن المدينة تقلل من هذه القاعدة ولكنها لا تستطيع أن تضعف النفرة المستحكمة بين العناصر الناشئة من اختلاف التركيب العقلي بينها وهي اختلافات تحمل كل عنصر يعيش عيشاً يخالف الآخر فيضطر أن يسلك مسلكاً يخالف غيره فيه وقد نشأ معظم التنازع بين البشر من هذا الاختلاف وكل حروب البشرية كحروب ألفتوح والحروب لتولي الزعامة والملك والحروب الدينية والحروب لإعلاء كلمة دين ومذهب كانت على الغالب حروباً عنصرية فقد كان الخلاف بين ألفرس والآشوريين وهو الذي نقل لأول مرة السلطة على العالم من أيدي الساميين إلى أيدي الآريين حرباً بين عنصرين وكذلك كان من أمر النزاع بين اليونان والآسياويين وبين الرومان والبرابرة وبين اليابان والروس بل أن الحروب الدينية في القرون الوسطى كانت حرباً عنصرية يريد فريق أن يفكر كما يريد ويريد الآخر أن ينحله نحلته ويقول بقوله ويخضع لسلطان الدين الجديد وما فيه من قيود عن مشخصاته أما اعتبار هذه الحروب حروب ملوك بعضهم مع بعض فليس من التحقيق في شيء فإن الملوك الذين لم تتجسد فيهم مرامي شعوبهم وأهوائهم وأحلامهم كانوا لا يلبثون على سرر الملك الأعشية أو ضحاها مهما تعددت صلات لأمم وحذت بعضها لغات الأخرى فاختلافهم في عقولهم ومناحيهم لا يزال على أتمة ولا سبيل إلى جمع الشمل بين عناصر متخلفة بالفطرة ولا التفاهم لأن كل واحد نظراً والمنازع متخلفة في مسائل كثيرة إذً فمهما وقفت المصلحة بين الشعوب فأرواحهم تباعد بينهم فبدلاً من أن يسيروا نحو أعظم يسيرون إلى