لا شيء يشغل بال العارفين من العثمانيين مثل إصلاح ميزانية الدولة وبينا النفوس متطلعة إلى ما يجري في مجلسنا النيابي بشأنها وردت مجلة العالمين الباريزية وفيها مقالة بقلم أحد الأخصائيين في هـ١ذا المعنى قال فيها أن واردات السلطان سليم الأول كانت تقدر سنة ١٥٠٨ بـ ٣. ١٣٠. ٠٠٠ دوكا وبلغت سنة ١٥٥٣ ١٥ مليون دوكا وبعد ذلك عاد ارتقاؤها انحطاطاً وقوتها ضعفاً مشهوداً بالاقتراض فأصبحت المملكة في قبضة أرباب المصارف من الماليين ولا تزال حتى يوم الناس هذا. فليت شعري هل ينهض أحرار الأمة العثمانية المجددون لإنهاض ماليتهم من كبوتها؟ فالجواب عَلَى ذلك اقتصدوا عَلَى وجه حسن تحسن ماليتكم لأن هذه لا تستمد إلا من الاقتصاد عَلَى أن الحالة الزراعية والصناعية والتجارية في السلطنة العثمانية ليست عَلَى ما يرام بالنظر لمثل هذه المملكة الواسعة الرباع والأصقاع. فقد خرجت المملكة سنة ١٩٠٥ ١٨ مليون قنطار من الحنطة و٣٤ مليون قنطار من الشعير والجاودار (الحنطة السوداء) والقرطمان والذرة. ويستخرج من اليمن قهوة حسنة معروفة منزلتها. وتبلغ مساحة الغابات التي خربتها المواشي عشرة ملايين هكتار. ويصدر من ولاية بورصة ولواء أزميد نحو ألف طن من الفيالج (الشرانق) وكثير من المواد الطبيعية عَلَى ظاهر الأرض وباطنها لم تستثمر إلى الآن لقلة رؤوس الأموال والمهندسين. وتقدر صادرات المملكة ووارداتها بنحو ١١٥٠ مليون فرنك تكاد تنقسم نصفين وطول سككها الحديدية ٦٦٠٠ كيلومتر.
هذا ما قاله صاحب هذا المبحث وقال إن إصلاح المالية العثمانية ليس بالأمر المتعذر فإنها إذا لم تحدث للدولة مشاكل خارجية تستطيع أن تلم شعثها بعد بضع سنين إذا أحسن الأحرار السياسة والإدارة. وهو قول يشبه ما يردده ناظر ماليتنا عَلَى أنه مثل بعض الماليين لا يرى عَلَى الدولة حرجاً في الاقتراض لسد العجز من ميزانيتها لأن الدولة تقترض من جهة وتوفي ديونها من جهة أخرى.
ولما كانت الدولة العثمانية دولة حربية منذ أن قامت في الوجود إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم تحتم عليها أن تنفق عَلَى جيشها شطراً عظيماً من دخلها وبذلك كانت العسكرية أو إدارة دخلها الإصلاح في الدولة بعد إعلان الحرية وهذا الإصلاح يستدعي نفقات طائلة فقد جعل ما يطلب للحربية في ميزانية ١٣٢٦ ٨. ٢٨٠. ٤٥٢ ليرة عثمانية أو نحو ٤٠ في المئة