ألقى الدكتور بورتو مدرس التاريخ في كلية الأميركان في بيروت محاضرة في تاريخ هذه المدينة فقال:
بيروت إحدى المدن الفينيقية القديمة أنشئت بعد دمشق وأقدم مدن فينيقية صيدا وبيروت وجبيل. ونحن لا نعرف بالتحقيق زمن إنشائها ولكن يوسيفوس المؤرخ العبراني ذكر اسم رجل فينيقي وقال أن موطنه بيروت وذلك دليل عَلَى قدمها. وفي أساطير الأولين أن ابنة إله جبيل تزوجت من ملك وكان اسمها بيروت فسميت زوجها بيروت باسمها. ونعرف طرفاً من تاريخ بيروت في القرن الخامس عشر قبل المسيح من الآثار المصرية وذلك أن توتميس الثالث جرد جيشاً عَلَى سورية وامتلكها ولما اشتد ساعد الحثيين والأموريين في الشمال أخذوا يطردون المصريين شيئاً فشيئاً وكان عمال المصريين في سورية يكتبون ويستنجدون فرعون لإغاثتهم. وقد اكتشف منذ عشرين سنة بعض هذه المكاتيب المحفورة عَلَى قوالب الآجر ومن جملتها مكتوب من حاكم بيروت إلى فرعون مصر يخبره فيه بحالته مع الحثيين والأموريين وتاريخ المكتوب في القرن الرابع عشر قبل المسيح. ومما يترجح أن بيروت مأخوذة من كلمة (بئر) وأظنها مأخوذة من اللغة الفينيقية لأن لفظ بيروت يقابل جمع كلمة بئر في اللغة الفينيقية. ومما يؤيد ذلك عندي أنني لما أتيت إلى هذه البلدة منذ أربعين سنة وكان في ذلك الحين لم يجلب ماء نهر الكلب كنت أينما اتجهت أرى آباراً والآن كثير منها ردم فيصح أن يقال أنها سميت بيروت أو مدينة الآبار لكثرة آبارها.
وبيروت كانت منذ القديم عظيمة بتجارتها ويظن أن مركزها اليوم غير مركزها في العصور الخالية والمرجح أنه كان جنوبي مركزها الآن وذلك عند نهر الغدير وقد اكتشفت آثار بناء هناك وكما هو معروف أن الشاطئ هناك مرمل لا يصلح لميناء ولكننا لو نظرنا إلى حالة الفينيقيين البحرية نجد أن سفنهم كانت شراعية صغيرة لا تستطيع السفر وقت الشتاء وكانوا يخرجونها إلى البر وينقطعون عن الأسفار فلذلك يجب أن يكون الشاطئ رملياً إذ يسهل إخراج المركب إليه. ولما لم تأت نجدة من مصر سقطت بيروت في أيدي الحثيين ثم جرد رعمسيس الثاني عَلَى سورية حملة حارب الحثيين فيها فكسرهم وأخذ