ظهر كتاب في نيويورك مؤخراً اسمه طريقة الإعلانات الجديدة قال فيه مؤلفه أنه انتشر الولع بالسياحة في المجتمع الحديث فلم تكتف كل أمة أن تنعزل وراء تخومها عزلة تامة بل راحت تختص بعمل لا يشاركها فيه سواها. فإذا كأنت المانيا تؤثر كبار رجالها المعروفين وتوسد إليهم الأعمال العلمية وفرنسا تعلم أبناءها الصنائع على اختلاف ضروبها فإن أمريكا تسوق إلى مضأمير الأعمال وهي على ما يظهر موطن المشاريع الصناعية العظمى. وإنا لنميل كل الميل أن نحكم على الأمم حكمنا على الأفراد. نحكم عليهم حكماً مسمطاً في شؤون ليست فيهم على حين كان الواجب علينا أن نقدرهم ونضعهم في المنزلة التي يستحقونها. وقد يذهب بنا الاستقراء الناقص إلى أن نستنبط أن جارنا محروم من الأمر الفلاني. وما على الغريب عن أمة يريد أن يصفها حق وصفها إلا أن يضيف ما رآه إلى ما لم يره. فإن في الأشياء أبداً ما يعجب به ويحب. ولا شك أن الحاجيات بأسرها والنزوع إلى العلى قد أخذت حظها عند كل أمة مثال ذلك أن تشهد التفنن بالصنائع في أمريكا إلا أنك تراه على أتمه في مملكة أخرى وعلى وجه يخالفه كل المخالفة. فمن يطلب المصنوعات الفرنسية في أمريكا يسخر منه كمن يطلب إلى اللابوني أن يلبس ثياب سكان المناطق الحارة أو للنازل على مقربة من خط الاستواء أن يعد الأدوات لصيد الدب الأبيض من جواره.
يعيب فلاسفة الألمان على الأمريكي عدم اشتغاله بعلوم ما وراء الطبيعة وعلى العكس يعيب علماء النفس الأمريكان على أساتذة الألمان اكتفاءهم من العلوم بالنظر فيها إلى دون العمل بها. ويعيب المتفنن من الفرنسيين على الأمريكي كونه نفعيا على حين ترى الأمريكي يهزأ إذا نظر إلى ما في بلاد الفرنسيين من أثار التفنن والصناعة. قال الفيلسوف هربرت سبنسر: إن صاحب الفلسفة هو الذي يعرف الصلات التي يهتدي إليها عامة الناس.
وبعد فإن أمريكا توصف بأنها مهد الأعمال المالية والحركة التجارية والصناعية والإعلانات هي دليل على ما هناك من نشاط في الاتجار والصنائع. ومتى أوردنا لك بعض الأرقام يتبين لك أن القوم غريبون في أعمالهم. قال موسيوديسي: تنفق الولايات