للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التجارة والإسلام]

يا كرام الشام أراني كمن هو في المنام يتنقل من أمر غريب إلى أمر أغرب وكل ما أراه من هذه المظاهر يزيدني في كل ليلة سروراً على سرور حتى لا يكاد يوجد موضع لزيادة السرور. رأيت في هذه الليلة مشهداً حافلاً ومثالاً يدل على الوطنية الحقيقية في هذه المعاهد فلذلك لم أتمالك أن أبتدأ كلامي بالإشارة إلى حكمة من رجل قديم وهي أنه جمع أحد الرجال أولاده وأوصاهم بالرمز لأنه وجد الإشارة أفضل من كل عبارة فقدم لهم أعواداً من أغصان الشجر وأعطى لكل واحد منهم عوداً وقال له إقصم هذا فكان ما أسهل عليه من كسره. ثم ضم الأعواد بعضها إلى بعض وأعطاها للقوي من أولاده فالثاني فالثالث فالرابع فكانت النتيجة سلبية فقال بهذا الاتحاد يكون نيل المراد. لذلك أحييكم بوجود هذه العاطفة عاطفة الود والاتحاد التي تربطكم بعضكم ببعض وما افترق عضو إلا وكان مشلولاً والاتجاه ممدوح ويد الله مع الجماعة.

من دواعي السرور التي رأيتها في هذا البلد الأمين أنني اجتمعت بنفر من الخاصة ثم بالعامة أمس واليوم اجتمعت بالوسط وهم التجار وخير الأمور الوسط اجتمعت بهؤلاء في نادي التجارة وهي أساس الملك وركن العمران ولا أطيل الكلام في فوائدها فكلكم أدرى بها مني وتعرفون مزاياها. على التجارة قامت الأمم وارتقت الممالك حتى قيل في الأمثال: إذا كان مجد العالم بكراريسه فمجد التاجر بكيسه ولكن مجد العالم لا يكون له شأن في ترقية الوطن إلا إذا أمده التاجر بكيسه. العلماء قوم يشتغلون بالعلم ولو اشتغل الناس كلهم بالعلم لكانوا في غير هذه الدنيا أو من غير هذا العالم إذ ما الفائدة من الورق المكتوب إن لم ينضمَّ له الورق المضروب وما الفائدة من الطمامير إن لم تؤيدها الدنانير. أم تروا أن سيد الخلق كان تاجراً وأن كثيراً من علماء الإسلام اشتغلوا بالتجارة والعلم لما في التجارة من سعادة الدنيا وحياة الأمم وما في العلم من سعادة الآخرة. إذا نظرنا إلى المسلمين رأينا الخلفاء وأرباب الدولة منهم يتجرون بأمتعة الدنيا ليكتسبوا قوتهم من الحلال لأن التجارة هي المكتسب الحلال الصافي من كل قذر.

تعلمون أن علوم العرب قد أخفى عليها الزمان ولكن بقي لنا شيءٌ من ذلك البحر الزخار. كان ابن جبير الأندلسي وابن حوقل البغدادي والمسعودي يطوفون البلاد للتجارة والمكسب ويدونون كل ما يشاهدونه من المعارف ليفيدوا أبناء جنسيتهم بكل ما استفادوا من التجارة