بهذه الوسيلة تملك العرب في أيام مجدهم أطراف الدنيا وارتقى لديهم العلم ولذلك كان الإسلام ذلك المظهر البديع في الدين والسياسة الذي ضمن له كل درجة في ارتقاء العلم.
ما هي الأسس التي قامت عليها الحياة؟ هي الزراعة والصناعة والتجارة. فالزراعة أول مصدر حقيقي لمعيشة الإنسان حتى أخذ في التحضر والتمصر ولكنها كانت قاصرة فجاءتها الصناعة فاشتغلت بما تنتجه الأرض من الخيرات واستحصلت منها خيرات أخرى صناعية. بقيت هذه الحالة في دور الطفولية في أدوارها الأولى فجاءت التجارة وصلةً بين الزارع والصانع سبباً في تقدم العلوم وارتقاء المدارك وحسب التجارة فضلاً أن سيد البشر ونبي العرب والعجم قد اشتغل بها كما ذكرنا.
ليست كل البلاد زراعية بل منها ما هو جبل أو واقع في سفح البحر فلا يمكن أن تنبت لها الأرض شيئاً ونرى الإنسان في مكان كهذا ليس للزراعة فيه أثر ومع ذلك يعيش بفضل التجارة ولهذا يمكن للإنسان أن يستغني عن الزراعة والصناعة ولا يمكنه الاستغناء عن التجارة لأنها تنقل له المحصولات الزراعية والصناعية من البلاد التي تمتاز بهما ولكن إذا بارت التجارة عدمت الزراعة والصناعة فالتجارة والأمر على ما ذكر سيدة المعايش.
كان تجار الشام ملوك التجارة وأعني بالشام تلك البلاد التي يحدها من الشرق العراق ونهر الفرات ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط (بحر الروم) ومن الشمال بلاد آسيا الصغرى المعروفة عند العرب بأرض الروم ومن الجنوب بادية الشام أو بادية السماوة أو بادية النفود ولا أدري معنى النفود فأغتنم الفرصة لفهم معنى هذه الكلمة:
رأيت في كتب الإفرنج وخرائطهم تسمية هذه البادية ببادية النفود قائلين أن النفود معناه الرمل ولكني بحثت في هذه الكلمة وحورتها وقلبتها فلم أعثر في كتب اللغة على اسم يوازي هذا الاسم الذي هو شبيه بالعربي ونقله جغرافيو الألمان والإنكليز.
وكلامي يسمعه بالطبع كثير من التجار الذين تمر قوافلهم بتلك البادية فعسى أن يحققوا معنى هذه الكلمة حتى لا يقال أن الإفرنج يأتوننا بكلمة عربية ولا نعرف معناها.
وبهذه المناسبة أقول أنا نجد لبلادنا مصورات باللغة الإفرنجية واللغة العربية وإذا نظرنا للعربية نجدها كلها مترجمة عن الإفرنجية وربما كان المترجم يتحرج في بعض الأسماء فيتركها.