للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نظرة في النظرات]

أخرج هذا الكتاب للناس في هذا العهد والأمة في برازٍ دائم بين القديم والحديث يريدها الأول على البقاء على الرثيث من تالدها مما ورثته بحكم الطبع أو التطبع ويضطرها الثاني إلى التجرد عما يأخذ بخناقها من العادات والتقاليد العتيقة التي أخنى عليها الدهر والأخذ بالجديد المفيد المنطبق على حاجات العصر اليوم.

وها نحن أولاً نرى بين علماء الدين في مصر والشام والحجاز واليمن من يتساءلون عما إذا كان تعليم العلوم المادية الطبيعية والتوفر على دراستها حراماً أو حلالاً بينا نرى بعض المفكرين من الباحثين العالمين يشهرون على أولئك حرباً عواناً تدير رحاها الأقلام مصرحين أنهم لا يدينون بسوى القوة والمادة اللتين هما من مظاهر الطبيعة ويضربون بكل علم عرض الحائط إذا لم يكن من العوم المادية الطبيعية أو منطبقاً على نواميسها الصحيحة أو موصلاً إليها متمماً لها ففريق يبالغ في إعظام رجال الخيال ويغالي في البحث فيما وراء المادة وفريق لا يعرف غير الحقيقة المادية مذهباً.

إلا وأن هذا البراز الحيوي لم يكن مقصوراً على العلم فقط بل تناول عامة شؤون الحياة وفروع الفنون الأخرى فكان للأدب النصيب الأوفر منه فإنا ما زلنا ولا نزال نرى بعضهم لا يرى للشعر من المكانة العالية إلا إذا كان قائله كالبها زهير وابن معتوق والشاب الظريف ويحسبون أن الكلام الطريف هو ما جاء في ريحانة الأدب وأشباهها غير معتدين بما عداها من الكتب الممتعة مثل نهج البلاغة والدرة اليتيمة وكليلة ودمنة وما جرى على أسلاك ألسنة الشعراء المتقدمين كالشريف الرضي والمتنبي والمعري وغيرهم من المتأخرين ممن جمعوا إلى التراكيب العربية الفصيحة الأفكار الغربية الصحيحة كما أنهم لا يعدونها شيئاً مذكوراً.

في كل حركة تقوم بين ظهراني هذه الأمة المنبسطة ظلالها في هذه المملكة المتنائية الأطراف نشهد مثالاً مجسماً من مبلغ تأثير تنازع البقاء ونقرأ فيه التجدد نقياً لا يشوبه شوب القديم فنستدل منه على تقدم الأمة في أفكارها وآ رائها وأن ما يناله القائمون بالتجدد من خصومهم الأعداء الألداء المكابرين لا بد من وقوعه ما دامت الأمة جاهلة خاملة وما دام من كتب لهم العلم والنباهة أفذاذ لا يزال تأثيرهم من الضؤول والحؤول بحيث يتراجع لأقل ريح تعصف.