وبعد فللإبداع إذا بوديء الأستاذ المنفلوطي صاحب هذا الكتاب لأول وهلة بما ناله من معارضيه من بذاءة اللسان والتسفيه في القول ما نجله عنه لأنه سنة من المجددين منذ القديم. فهذا غستاف فلوبر الكاتب الفرنسوي المعروف كان يحتقره معاصروه ويهزؤون بكتاباته وآرائه حتى يحمله على ذلك البكاء كالأطفال الصغار ويشرع يخاطب زملاءه زولا وكونكور ودوده بقوله: بربكم أنبئوني لمَ لمْ تنل هذه المؤلفات الاستحسان الذي أتطلبه فتأخذهم رعدة الكآبة والحزن فيبكون جميعاً_هذا الرجل الذي كان في عصره بهذه المثابة ولم يكتب لآثاره أن يرتاح لها الرأي العام أصبح القوم اليوم يعبدونها ويمجدونها ويسبحون بحمدها.
أمامي الآن هذا الكتاب أنظر إلى الصفحة الأخيرة منه بعد أن كنت قرأت معظم فصوله في الصحف وكانت نظرتي إليه في المرة الثانية ومقالاته مجموعة في سفر خاص غيرها في الأولى. إذ كنت أطالعه وأنا أعلق عليه في مفكرتي بعض ما آخذت به منشئه ورأيته مما يجدر أن ينبه عليه مثله على أني قرأت ما كتبت عليه في الجرائد والمجلات فإذا به لا يبل غليلاً ولا يغني فتيلاً مما دل على أن باب التقريظ والانتقاد لم يفتح عندنا كل الفتح ونخشى أن طال علينا الأمد أن يصيبه ما أصاب باب الاجتهاد.
وقد أفردت لكل من أسلوبه وموضوعه وآرائه ولغته ووصفه بحثاً خاصاً سأتكلم على كل واحدة منه على حدة وأقفيه بالألماع إلى شذرة من روح المؤلف، وذلك بقدر ما مكنتني الفرصة من القيام وهداني إليه البحث والنظر.
١
أسلوبه
مما كتبه المنفلوطي في مؤلفه هذا قصص جمة كانت هي الباعثة لي على الخوض في غمار هذا الموضوع ولذا فأنا أنظر إليه في هذا المبحث نظري إلى قصصي أريد أن أبين طريقته في الإنشاء وأحاول أن أردها إلى مذهب خاص مما أنشأه أدباء المغاربة في تاريخ آدابهم. إذ لكل كاتب أدبي قصصي أسلوب خاص ينهج فيه مؤلفه المنهج الذي يراه أنه أمتع وأنفع ووافق طبعه في الغالب أو يتبع في ذلك سنة الارتقاء:
قامت في أوربا مذاهب شتى في الأدب القصصي منذ القرن السابع عشر حتى اليوم وكلها