لو كان تاريخ العرب يدرس في مدارسنا على أصوله لوجب أن تدرس سيرة السلطان صلاح الدين يوسف ابن أيوب صاحب مصر والشام واليمن والجزيرة كما تدرس سيرة الخلفاء الراشدين فقد مضت القرون بعد الخليفة المأمون العباسي ولم ينشأ للعرب ملك كصلاح الدين بعقله وعدله وحلمه وحسن بلائه وقد دونت سيرته في عهده فكان عند المشارقة والمغاربة أنموذج الملك الحازم العاقل وأحق ما يرجع إليه في سيرته رحمه الله من الكتب كتاب النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية لبهاء الدين بن شداد من قضاة الملك الناصر وكتاب الفتح القسي في الفتح القدسي لعماد الدين الكاتب أحد كتاب ديوانه ثم يؤخذ عمن كان في عصره أو قريبا منه أمثال ابن الأثير صاحب الكامل وتاج الدين شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة أو عن صاحب تاريخ الروضتين في أخبار الدولتين.
أما كتاب النوادر فهو على أسلوب المؤرخ كتب بعبارة مرسلة لا تكلف فيها صيغ فيه اللفظ على قدر المعنى بخلاف الفتح القسي فإنه راعي فيه السجع من أوله إلى آخره حتى يكاد يمل قارئه وتشغله الألفاظ والجناسات والترصيع وعويص اللغة عن تدبر المعنى ودخوله الآذان بلا استئذان على أن له من سجعه في الأحيان ما يجئ عفو القريحة فيكون المعجب المطرب مثل فصل ذكر حال نساء الفرنج فإنه أبدع فيه كل الإبداع وإن كان ما يظهر ركب مركب الغلو في تمثيل حالهن.
ولقد تدبرنا سيرة الملك الناصر صلاح الدين منذ ولد في قلعة تكربت (٥٣٢ هـ) وكان والده أيوب بن شاذي والياً بها إلى أن جاء الموصل مع والده وقد ترعرع إلى أن انتقل معه إلى الشام وأعطي بعلبك إلى أن اتصل بالملك نور الدين محمود بن زنكي إلى أن ذهب مع عمه أسد الدين شيركوه إلى مصر إلى أن ملك مصر وأزال دولة العاضد الفاطمية وخطب للدولة العباسية إلى أن فتح الشام واستخلص أكثر بلاد الساحل الشامي والقدس من الإفرنج إلى أن توفاه الله في دمشق بعد جهاد أربع سنين في الصليبيين - تدبرنا كل هذا فلم نحص له ولا شهدنا له إلا ما ينطبق على مكارم الأخلاق والعدل المتناهي والحلم الذي دونه حلم أحنف ومعاوية ولولا ما دسه الفقهاء عليه من تزيين قتل الشهاب السهروردي الفيلسوف لخرجت صحيفة حياته كلها بيضاء نقية قال ابن شداد أن هذا السلطان كان مبغضا للفلاسفة والمعطلة ومن يعاند الشريعة ولقد أمر ولده صاحب حلب الملك الظاهر أعز اله أنصاره