بقتل شاب نشأ يقال له السهروردي قيل عنه أنه كان معاندا للشرائع معطلا وكان قد قبض عليه ولده المذكور لما بلغه من خبره وعرف السلطان به فأمر بقتله فطلبه أياما فقتله هذه رواية ابن شداد وهو من الفقهاء أورد هذه القصة في معرض أن السلطان يعظم شعائر الدين وإثبات أنه يقول بالعبث والنشور ومجازاة المحسن بالجنة والمسيء بالنار.
إلا أن ابن أبي أصيبعة قال في حقيقة قتل الشهاب السهروردي أنه لما أتى إلى حلب وناظر بها الفقهاء ولم يجاره أحد كثر تشنيعهم فاستحضره الملك السلطان الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب واستحضر الأكابر من المدرسين والفقهاء والمتكلمين ليسمع ما يجري بينهم وبينه من المباحث والكلام فتكلم معهم بكلام كثير وبأن له فضل عظيم وعلم باهر وحسن موقعه عند الملك الظاهر وقربه وصار مكينا عنده مختصا به فازداد تشنيع أولئك عليه وعملوا محاضر بكفره وسيروها إلى دمشق على الملك الناصر صلاح الدين وقالوا إن بقي هذا فإنه يفسد اعتقاد الملك الظاهر وكذلك إن أطلق فإنه يفسد أي ناحية كان بها من البلاد وزادوا عليه أشياء كثيرة من ذلك فبعث صلاح الدين إلى ولده الملك الظاهر بحلب كتابا في حقه بخط القاضي الفاضل وهو يقول فيه أن هذا الشهاب السهروردي لابد من قتله ولا سبيل إلى إطلاقه ولا يبقى بوجه من الوجوه ولما بلغ شهاب الدين السهروردي ذلك وأيقن أنه يقتل وليس جهة إلى الإفراج عنه اختار أن يترك مكان مفرد ويمنع من الطعام والشراب إلى أن يلقى الله تعالى ففعل به ذلك وكان في أواخر سنة ست وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب وكان عمره نحو ست وثلاثين سنة. قال صاحب طبقات الأطباء أن السهروردي صار له شأن عظيم عند الملك الظاهر وبحث مع الفقهاء في المذاهب وعجزهم واستطال على أهل حلب وصار يكلمهم كلام من هو أعلى قدرا منهم فتعصبوا عليه وأفتوا في دمه حتى قتل وقيل أن الملك الظاهر سير إليه من خنقه ثم أن الملك الظاهر بعد مدة نقم على الذين أفتوا في دمه وقبض على جماعة منهم واعتقلهم وأهانهم وأخذ منهم أموالا عظيمة.
هذه الغلطة الوحيدة هي التي أحصيت لصلاح الدين وهي في الحقيقة انتقام المتفقهة من المتفلسفة أو النقل من العقل - وهذا الانتقام ما برح على أشده في كل زمان ولا سيما منذ القرن السادس إلى آخر العاشر فإنه قتل في بلاد الإسلام كثير من الأعاظم أو اضطهدوا