وأوذوا من قبل أعداء الفلسفة وما عدا ذلك فإن صلاح الدين لا يلام على قتل أحد من الصليبيين لأنهم أفحشوا هم في أسره وعاهدوا فخانوا ومثل من قتلهم من المصريين للقضاء على الدولة العبيدية أو من قاموا يدعون إليهم بعد أن زالت دولتهم وفي جملتهم عمارة اليمني الشاعر (المقتبس م٣ ص ١٦٩) كل ذلك يغتفر له لأنه في سبيل تأييد سلطانه والملك عقيم كما قيل.
ومما ذكره ابن شداد في عدله أنه كان رؤفاً رحيماً ناصراً للضعيف على القوي ولكن يجلس للعدل في كل يوم اثنين وخميس في مجلس عام يحضره الفقهاء والقضاة والعلماء ويفتح الباب للمتحاكمين حتى يصل إليه كل أحد من كبير وصغير وعجوز هرمة وشيخ كبير وكان يفعل ذلك سفرا وحضراً على أنه كان في جميع زمانه قابلا لجميع ما يعرض عليه من القصص في كل يوم ويفتح باب العدل ولم يرد قاصداً للحوادث والحكومات. وكان يجلس مع الكاتب ساعة إما في الليل أو في النهار ويوقع على كل قصة بما يجريه الله على قلبه ولم يرد قاصداً أبداً ولا منتصلاً ولا طالب حاجة وما استغاث إليه أحد إلا وقف وسمع قضيته وكشف ظلامته واعتنى بقصته ولقد رأيته وما استغاث إليه إنسان من أهل دمشق يقال له ابن زهير على تقي الدين ابن أخيه فأنفذ إليه ليحضر إلى مجلس الحكم وكان تقي الدين من أعز الناس عليه وأعظمهم عنده ولكنه لم يحابه في الحق.
وأعظم من هذه الحكاية مما يدل على عدله قضية جرت له مع إنسان تاجر يدعى عمر الخلاطي وذلك أني كنت يوما في مجلس الحكم بالقدس الشريف إذ دخل عليّ شيخ مسن تاجر معروف يدعى عمر الخلاطي معه كتاب حكمي يسأل فتحه فسألته من خصمك فقال: خصمي السلطان وهذا بساط العدل وقد سمعت أنك لا تحابي قلت: وفي أقضية هو خصمك فقال: إن سنقر الخلاطي كان مملوكي ولم يزل على ملكي إلى أن مات وكان في يديه أموال عظيمة كلها لي ومات عنها واستولى عليها السلطان وأنا مطالبه بها فقلت له: يا شيخ وما أقعدك إلى هذه الغاية فقال: لا تبطل بالتأخير وهذا الكتاب الحكمي ينطق بأنه لم يزل في ملكي إلى أن مات فأخذت الكتاب منه وتصفحت مضمونه فوجدته يتضمن حيلة سنقر الخلاطي وأنه قد اشتراه من فلان التاجر بارجيش اليوم الفلاني من شهر كذا وأنه لم يزل في ملكه إلى أن شذ عن يده في سنة كذا وما عرف شهود هذا الكتاب خروجه عن