للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ملكه بوجه ما وتم الشرط إلى آخره فتعجبت من هذه القضية وقلت للرجل: لا ينبغي سماع هذا بلا وجود الخصم وأنا أعرفه وأعرفك ما عنده فرضي الرجل بذلك واندفع فلما اتفق المثول بين يديه في بقية ذلك اليوم عرفته القضية فاستبعد ذلك استبعاداً عظيماً وقال: كنت نظرت في الكتاب فقلت نظرت فيه ورأيته متصل الورود والقبول إلى دمشق شهود معروفون فقال: مبارك نحن نحضر الرجل ونحاكمه ونعمل في القضية ما يقتضيه الشرع.

ثم اتفق بعد ذلك جلوسه معي خلوة فقلت له: هذا الخصم يتردد ولابد أن نسمع دعواه فقال: أقم عني وكيلاً يسمع الدعوى ثم يقيم الشهود شهاداتهم وأخر فتح الكتاب إلى حين حضور الرجل هاهنا ففعلت ذلك ثم أحضر الرجل واستدناه حتى جلس بين يديه وكنت إلى جانبه ثم نزل من طراحته حتى ساواه وقال: إن كان لك دعوى فاذكرها فحرر الرجل الدعوى على معنى ما شرح أولا فأجابه السلطان أن سنقر هذا كان مملوكي ولم يزل على ملكي حتى أعتقته وتوفي وخلف ما خلفه لورثته فقال الرجل: لي بينة تشهد بما أدعيه ثم سأل فتح كتابه ففتحه فوجدته كما شرحه فلما سمع السلطان التاريخ قال عندي من يشهد أن سنقر هذا في هذا التاريخ كان في ملكي وفي يدي بمصر وأني اشتريته مع ثمانية أنفس في تاريخ متقدم على هذا التاريخ بسنة وأنه لم يزل في يدي وملكي إلى أن أعتقته ثم استحضر جماعة من أعيان الأمراء والمجاهدين فشهدوا بذلك وذكروا القصة كما ذكرها والتاريخ كما ادعاء فأبلس الرجل فقلت له: يا مولاي هذا الرجل ما فعل ذلك إلا طلباً لمراحم السلطان وقد حضر بين يدي المولى ولا يحسن أن يرجع خائب للقصد فقال: هذا باب آخر وتقدم له بخلعه ونفقة بالغة قد شذ عني مقدارها قال ابن شداد فانظر إلى ما في طي هذه القضية من المعاني الغريبة العجيبة والتواضع والانقياد إلى الحق وإرغام النفس والكرم في موضع المؤاخذة مع القدرة التامة.

مثل هذا الفاتح العظيم مات ولم يحفظ ما تجب عليه به الزكاة فان صدقة النفل استرقت جميع ما ملكه من الأموال فملك ما ملك ولم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهما ناصريا وجرما واحدا ذهبا ولم يخلف لملكا ولا دارا ولا عقارا ولا بستانا ولا قرية ولا مزرعة ولا شيئا من أنواع الأملاك وكان رحمه الله يهيب الأقاليم وفتح آمد (ديار بكر) وطلبها منه ابن قره أرسلان فأعطاه إياها وهو يعطي في وقت الضيق كما