أراد المنفلوطي في كلامه هذا أن يخطئ الإمام بأن ما دعا إليه من المبادئ الدينية لم يحن بعد وقتها وأن سواد هذه الأمة لم يتأهلوا لقبول هذه المبادئ جاعلاً ذلك علة العلل في إلحادهم ومروقهم من الدين وهذا قياس منطقي أعيذ للمنفلوطي عن أن يحشو فكره بمثله من الأوهام والخيالات التي أبان فيها عن فكر ليس له حظ من التجربة والاختبار.
لا يستطيع صاحب النظرات فيما أعلم أن ينكر أن جل الداعين إن لم أقل كلهم أنجبهم الدهر وولدتهم العصور في أوقات كانت فيها الأفكار حين يقارع بعضها بعضاً في ميدان الحياة. ومن هنا نعلم الحاجة الماسة إلى المرشدين في مثل هذه الأحوال الحرجة والمآزق الضيقة وأنهم متى قاموا بفكرة إصلاحية لا بد أن يلاقوا في طريقهم من عثرات الفريق المخالف ما يستهدفون معه لضروب الإيذاء فيقومون بين مثالب الطعن والقد حتى تتسرب الفكرة إلى بعض من يعمل على نشرها في سرهم وجهرهم ليبقوا من سعيهم هذا خميرة حيوية في المجتمع الإنساني لمن يأتي بعدهم ممن تجد لها من عقولهم مباءة فتتأصل في نفوسهم فستفيدون إذ ذاك ويفيدون بما يدعون إليه ويسعون وراء أشرابه النفوس ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً.
بمثل هذا قامت المذاهب والأديان وتأيدت الآراء العلمية والنظريات الفلسفية. وإذا لم يكن الأمر كذلك فليدل لنا المنفلوطي برهاناً يبين مصلحاً قام بفكرة جديدة ولم يقم في وجهه في بيئته حتى من بني جلدته من يعمل على محاربته أو مناهضته بكل ما فيه من قوة وقدرة.
ويا لله كيف جاز له أن يحكم على المبادئ السامية التي دعا غليها الشيخ محمد عبده كانت مدعاة للإلحاد والمروق من الدين بدعوى أن دعوته لم يحن بعد وقتها أو أنه يوجد ثمة من يمقتها وينبذها أو أنها نشرت بين فئة واتخذوا من هداها ضلالاً ومن نورها دجى حالكاً. وهؤلاء تلامذته مصريهم وشاميهم وعراقيهم وحجازيهم في عامة الأقطار يتنازعون مبادئه ويتدارسون كتبه لم ينظر إليهم الأستاذ المنفلوطي ونظر إلى فئة ضالة مضلة لا بد من وجودها في كل عصر ومصر.
وكان الواجب على من لم يفهم ما أراد الأستاذ الإمام أو اشتبه عليه بأن يسأل عنه أهل