كتب أحد رجال الفرنسيس كتاباً سماه ألمانيا العاملة جاء في بعض فصوله ما تعريبه:
إن السائح الذي يجتاز ألمانيا يدهش في العادة من أنه لا يرى بيتاً قائماً وحده في الأراضي الزراعية بل أن جميع المساكن في الحقول منضمة بعضها إلى بعض بحيث يتألف منها أحياناً مدن وهذا مما يدل عَلَى فكر الاشتراك المتأصل في العنصر الجرماني الذي يستغرب حال شخص يريد الابتعاد عن أخيه وهناك شيءٌ آخر وهو أن معظم حكومات ألمانيا تحظر إنشاء المساكن بعيدة عن مراكز القرى حتى لا يحرم الأولاد من الاختلاف إلى المدرسة في الأيام الممطرة العاصفة وهناك يسأل الوالدان عن ولد تأخر عن المدرسة فإذا تخلف أحدهم يجب عَلَى أقربائه أن يبينوا معذرته وإلا فيجازون أشد الجزاء. وعلى رؤساء المعامل الذين يستخدمون في الخلاء عملة أو موظفين أن يضمنوا لأولادهم حملهم كل يوم إلى مدرسة القرية القريبة وإذا كثر العملة في بقعة بعيدة وزاد سودهم تؤسس في الحال مدرسة عامة وتكون في العادة بإعانة من صاحب المعمل. وكان من أثر هذه العناية أن قل عدد الأميين في ألمانيا بحيث لا تجد واحداً في الألف عَلَى أنهم لم يكتفوا بتعليم مبادئ فقط بل إنك لا تدخل قرية ولا معملاً ولا بيتاً إلا وترى الجرائد والكتب في الأيدي تتدلى ويستفاد منها وذلك بين جميع طبقات الألمان.
للتعليم الابتدائي والأوسط في ألمانيا ميزتان لا نظير لهما في سائر الممالك وهي أنه لا يبعد المتعلم عن العيشة البيتية بين ذويه وهو سلم للتعليم الصناعي الذي تختلف درجاته وتراه نظرياً وعملياً في آن واحد.
وماذا أقول في دروس الأشياء والمجاميع النفسية التي تراها في المدارس الألمانية والتعليم بالنظر والذهن والعمل والنزهات المفيدة وغير ذلك من أنواع التربية. وما من ألماني إلا ويتعلم شيئاً من التعليم الصناعي ففي هذه البلاد التي يكاد الناس كلهم يعملون قد وقع في النفوس أنه لا يجوز لأحد أن يتعاطى صناعة من الصنائع المقررة قبل أن يتعلمها بالنظر والعمل وهذا ما أدى إلى إنشاء كثير من المعاهد الملوكية والإمبراطورية والبلدية والخصوصية تقصدها الأمة فتستقي من مواردها قوتها المنتجة والعقلية.