ذكر لنا احد الفضلاء بأننا حملنا على العماد الكاتب في الجزء عند كلامنا على سيرة صلاح الدين والاستطراد إلى تبجحه بنثره دون التوسع في حسناته في بلاغته وفصاحته وما كان كلامنا فيه إلا من قبيل الاستطراد وإلا فان سجع العماد مما سار مسير المثل في البلاد ولو كان البحث خاصا فيه وقصرنا في توفيته حقه لتم هذا الحكم من كل وجوهه. وها نحن أولاء نشفع ذاك النقد بنقل شذرات من سجعه البديع وأمامنا من كتبه الفتح القسي وزبدة النصر وهما من الكتب التي باكر المستشرقون إلى تمثيلها بالطبع منذ زمن للاستفادة من مضامينهما العماد الكاتب الاصبهاني أبو عبد الله محمد بن صفي الدين المعروف بابن أخي العزيز من طلبة المدرسة النظامية في بغداد ولما تخرج ومهر تعلق بالوزير ابن هبيرة ببغداد غزلاه النظر بالبصرة ثم بواسطة فلما توفي تشتت شمل إتباعه ومنهم العماد الذي أقم مدة. كما روى ابن خالكان في عيش منكد وجفن مسهد ثم انتقل إلى دمشق سنة ٥٦٣ فاتصل بصاحبها نور الدين محمود بن زنكي وبصلاح الدين يوسف بن
أيوب وأهل لكتابة الإنشاء قال العماد: فبقيت متحيرا في الدخول فيما ليس من شأني ولا وظيفتي ولا تقدمت لي به دراية ولقد كانت مواد هذه الصناعة (أي الإنشاء) عتيدة عنده لكنه لم يكن قد مارسها فجبن عنها في الابتداء فلما باشرها هانت عليه وأجاد فيها واتى فيها بالغرائب وكان ينشئ الرسائل
بالعجمية أيضا وبعد وفاة نور الدين اتصل بصلاح الدين فنظمه في سلك جماعته واستكتبه واعتمد عليه فصار من جملة الصدور المعدودين والأماثل المشهورين يضاهي الوزراء ويجري في مضمارهم وكان القاضي الفاضل هو الواسطة في ذلك بينه وبين صلاح الدين وقال أنا لا يمكنني الملازمة الدائمة في كل سفرة وغدا يكاتبك ملوك الأعاجم ولا تستغني في الملك عن عقد الملطفات وحل التراجم والعماد يفي بذلك ولك اختاره وقد عرف في الدولة النورية مقداره واخذ للعماد خط السلطان بما قرره له من شغل. وكان القاضي الفاضل في أكثر أوقاته ينقطع عن خدمة السلطان ويتوفر على مصالح الديار المصرية والعماد ملازم للباب بشام وغيره وهو صاحب السر المكتوم.
قال صاحب وفيات الأعيان وصنف العماد والتصانيف الفائقة من ذلك كتاب جريدة القصر وجريدة العصر جعله ذيلا على زينة دمية الدهر تأليف الخطيري الذي جعل كتابه ذيلا