أسست المدارس لإنماء القوة العاقلة في الإنسان ولتوسيع المدارك وتنوير العقول وتهذيب النفوس وتدميث الأخلاق وترقية الأفكار ولبث الألفة والإخاء والحب وحقائق الحرية والمساواة ونشر مبادئ الحق والخير والجمال والشرف والشهامة والجرأة ونزاهة القلب. ومن أخص واجباتها أيضاً الاعتناء بالصحة من وراء الغاية وتقوية الجسم تقوية للعقل وكبح جماح الأهواء وإنهاض الهمم ونقض كل وهم وضلال وتمويه وخرافة وتقويم كل اعوجاج وغرس صفات الإنسانية الصرفة وما طاب من العلوم الضرورية للمرء ضرورة الطعام والشراب واللباس. وبالجملة فقد أنشئت المدارس لتقود الإنسان وتدفعه في سبيل الكمال الإنساني.
قال كانت الفيلسوف الألماني: سرار تقاء الإنسانية في المدارس. وقال جول سيمون فيلسوف الفرنسيين ليس من واجبات المدارس تعليم العلوم فقط فإن من أخص واجباتها بث الفضيلة والإقدام. وقد اتفق العلماء على الإقرار بوجوب تهذيب النفوس قبل تعليم الرؤوس وتفضيل المبادئ الأدبية على الأصول العلمية ونزع كل غلظة وفظاظة وسيئة باللين والرفق والإقناع.
فليست الغاية إذن من إنشاء المدارس اعتقال الأولاد وإملاء الذاكرة فيهم من قواعد الكتب اللغوية والعلمية والرياضية والطبيعية وتحقيرهم وإرهابهم وإهانة نفوسهم وجرح عواطفهم وإيجاعهم بقسوة الشتم والضرب كما يخيل للمعلمين الذين يتوهمون أنهم لا يستطيعون أن يعلموا ويهذبوا إلا بالشتم والضرب.
الشتم والضرب في المدارس أثران من آثار الهمجية والتوحش يمثلان كل التمثيل في مدارس القرن العشرين على ما فيه من دلائل التقدم العلمي وعلائم الارتقاء الأدبي. فيعيدان ذكرى أقبح صفحات العصور الغابرة أيام سادت الخشونة والقسوة ولم يكن حد اعتبار الحيوان الناطق فيها يتعدى حد اعتبار رفيقه الحيوان الأبكم إلا بشيء لا يذكر. وهما من أكبر العوامل الحائلة دون إقبال الأولاد على المدارس برغبة داخلية وشوق طبيعي كما أنها من أهم البواعث التي تمثل لهم المدارس سجوناً مظلمة ومحال أسر ومطابق عذاب وشقاء.
نحن في زمن لا غنى لنا فيه عن العلم وقد أصبحت المدارس من حاجاتنا الأولية ومن الضروريات التي يجب الاعتماد عليها بعد اعتماد الأمهات والآباء في إعداد رجال