المستقبل فنحن إذاً في أشد حاجة إلى ترغيب أحداثنا في المعارف وتحبيب المدارس إلى نفوسهم وجعلها في عيونهم أماكن سرور مقدسة تترفع عن كل ما يمثل الحيوانية ودور استفادة تتعالى عما يشين الإنسانية.
ومن الأسف أن القسوة مازالت شعار المدارس والشتم ما انفك لسان حال المعلم والضرب سلاحه وعدته ومع كل ما وصف من أضرار هذين الأثرين القبيحين وقيل في لزوم إبادتهما ومع كل ما صدر من نواهي ذوي النفوذ وأوامر الحكومات في وجوب منعهما ما برح المعلمون قساة القلوب يشتمون الطلبة لأقل الأسباب وينهالون عليهم بالضرب لأدنى الهفوات.
مضت قرون كثيرة والقسوة ساعد المربي وعضد المعلم المتين والشتم والضرب رائجان في المدارس حتى أن سليمان الحكيم قد أشار باستعمال القضيب في تهذيب البنين. وكان الاسبرطيون يتركون الأولاد في المدرسة جياعاً ويضربونهم كثيراً تشجيعاً لهم على مشاق الحياة وعندما يعجز الولد عن التجلد ويرفع صوته من الألم تتلطخ حياته بالعار. وكان قدماء المصريين يعاقبون التلاميذ بالضرب بالعصي متمثلين بقول القائل_إن آذان التلاميذ في ظهورهم فهم لا يسمعون إلا إذا ضربوا. ولقد بلغ من اعتقاد الناس قبلاً بفائدة القسوة في المدارس أن صار العامة يمازحون التلاميذ بقولهم راح العيد وفرحاته وجاء المعلم وقتلاته وأمسى الوالدون يخوفون الأطفال من المعلمين كما يخوفونهم من المارد والجن والغول. وكان الرجل يقتاد ابنه إلى المدرسة ويقول للمعلم لك اللحم ولي الجلد والعظم فلا تبخل بالفلق أو تتوانى بالضرب. وخير هدية كانت تسر المعلم هي حزمة قضبان وخصوصاً إن كانت أغصان رمان. وجل وصية كان يوصي بها هي الشتم بفظاظة والضرب بقسوة وكان يلام إذا تبسم وبش في وجه الأولاد وتهاون بالعقوبات الشديدة ولم يستعمل وظيفة المنتقم لا وظيفة المهذب.
هكذا كانت المدارس سابقاً بؤرة القسوة والجور ومستوبل الشتم والضرب على أن تلك الأيام لم يتجاوز فيها العلم حد الظنون ولم تكن المعارف غير قواعد لغات ولم يكن المعلمون أفضل من رعاة المواشي. وعلماء الأخلاق والنفوس كانوا قلائل نادرين والغرور والتقليد واتباع الأهواء والادعاء والتمويه والتظاهر أمور كانت من أخص صفات