اعتادت بعض المدارس في الغرب أن تخرج بتلامذتها في أيام معينة من الأسبوع إلى الضواحي تدرسهم في كتاب الطبيعة بعيدين عن الدفاتر والكتب وجدران صفوفهم ما يحرر حواسهم من رقها وينزه عقولهم من أتعابها ويعلمهم معالم بلادهم ومجاهلها وهذا ما سماه أحد علماء التربية بمدارس النزهة وليست هذه المدارس عبارة عن نزهة بسيطة يهيم فيها التلامذة والأساتذة عَلَى وجوههم كما في نزهات المدارس بل إنها نزهات هي إلى الجد أكثر منها إلى الهزل وخطتها واسعة لأنها تجمع بين الولد والأرض والحياة وتعلمه النظر والتبصر والتفكر والشعور بالحقيقة وجمال الموجودات حيوانات كانت أو جمادات وتوقفه عَلَى مناظر الطبيعة وأعمال أبنائها فيجمع فيها الولد شعوراً ومشاهدات وملاحظات وأحكاماً وتذكارات وصوراً عَلَى اختلاف ضروبها يستمد منها معرفة وحكمة.
ويخرجون إلى هذه المدارس في مساء يوم الأربعاء الثالث من شهر نيسان وأيار وحزيران وتموز وآب وتشرين الأول أي في شهور الربيع والخريف أما في الصيف فيخرجون إليها صباحاً خوف الحرارة وفي الشتاء يخرجون في أوقات الصحو والفرق بين هذه النزهات وغيرها أن الأساتذة يكونون عارفين بالخطة التي يجرون عليها وما فيها من مظاهر الكون المفيدة وظواهر الأشياء ليلفتوا إليها أنظار تلامذتهم وإذا كان في الطريق شيءٌ يغيب عن أذهان المعلمين فيتخلصوا من مأزقه في الحال.
فباستعداد المعلمين لمثل هذه النزهات ينجو التلميذ من هوى النظام المدرسي وخلل العادات ويتعود التنظيم المدقق بما يسبق نزهاته من تدقيق المعلم بما يلزم لكمال هذه النزهات من الفوائد التي تناسب مدرسته ومحيطه فيذهب التلامذة مجتمعين حول معلمهم أكثر مما هم في صفوف المدرسة يسايرونه في البراري وينظرون ويتأملون ويستمعون ويسألون ثم يعودون إلى المدرسة ببذرة من التذكارات فيكتبون مشاهداتهم ويجعلونها في جريدة مذكراتهم وربما أضافوا صور المناظر والأشياء التي وقعت عَلَى أنظارهم.
والسبب في هذه المدارس البرية هو أن بعضهم قالوا أن المدارس لا تعطي سوى جزءٍ معين من المعارف وهذه المعارف منتخبة بحيث لا تضمن للولد كل المعرفة العملية التي