للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتاج إليها في الحياة بل إنها تؤثر في قواه وتخلق له فكراً وتنيره وتوسعه وفيها التربية الحقيقية فالواجب أن يحمل الطفل من أبناء الشعب عن معلمي مدرسته الابتدائية عادات حسنة من التفكر وذكاءً نبيهاً وأفكاراً رائقةً وصحة حكم وبعد نظر واستقامة في الفكر واللسان. وليس في هذه الطريقة من التعليم طرائق ميكانيكية تبلد الذهن ولا دروس عالية تحوي في مطاويها معلومات تافهة باردة بل فيها كل ضروب التعاون في الأفكار المختلفة المرنة ولا سبيل إلى إبلاغ العلم إلى العقول إذا كان المتعلم يلقيه عَلَى صورة مجردة ويعلمه كالمتسلط فعلى المعلم أن لا يلقن إلا ما يقرب من إذ أن الطلبة وعليه في كل تعليم أن يستخدم أموراً محسوسة ويري الأشياء بحيث تمسها اليد ويقف بالطلبة أمام حقائق ناصعة ويمرنهم بالتدريج عَلَى استخراج المجردات فهو يربي صحة الحكم في تلميذه بما يقوده إليه من النظر ويربي فكر البحث بكثرة النظر والعقل بمعاونته عَلَى التعقل بذاته من دون قواعد منطقية.

التلميذ لا يتعلم دروس الأشياء في كتاب ما لم تضع أمام عينيه صورة الشيء أو عينه وإلا فيكون كالببغاء يسمع المدرس فيتثاءب والأولى أن ينظر إلى الشيء بذاته فإن صورته واسطة وخير للناظر أن ينظر مباشرة فينطبع بطابع ما يرى أشكاله ويسمع صداه وينشق رياه ويغتني بأسماءِ الأعيان والأجناس التي تفهمه الأشياء وتمثلها لعينيه بما فيها من زخرف ثم يحسن أن تذكر في كتاب مع صورتها. ولئن أفادت المعارض الطبيعية والمتاحف في المدارس فإن الأفيد منها والأقرب إلى حصول المقصود أن تعرض الأشياء عَلَى أنظار الطفل في أماكنها فالواجب أن يرى الحجر في الجبل والحصاد في الحقل المتموج بأشعة الشمس والنبات والزهر في النور المرتج قبل أن يفهم بل ليفهم مجموعة المعرض من أعشاب وزهور وأحجار. يجب أن يذهب إلى الطبيعة ليلاحظ الأشياء والمخلوقات في مساكنها وأماكنها واكتشاف الصلات بين الأرض والبشر.

فيخرج الطفل من المدرسة وهو أقرب إلى العمل والحقائق مسلحاً بسلاح ماض من التعليم لطعن عوائق الحياة وليس معنى هذه التربية إخصاء التلميذ في العلم بل تلقينه مبادئ عامة واستعداداً موسعاً فيه يحبب البلاد التي خلق ليعيش فيها وتلقي في نفسه ذوقاً للبقاء فيها ليعمل بها ويضرب فيها أوتاد مقامه ولذا اقتضى أن ينظر في مظاهرها الطبيعية ويرى