تلد الولادات كل يوم أولادا وتطوي الأرض أناسا لا يحصي عددهم غير خالقهم ولكن من يؤثرون الأثر النافع فيذكرون في حياتهم وبعد مماتهم أقل من القليل وأقل منهم في أهل هذا الشرق التعس وفي أهل الإسلام خاصة وذلك لأن العلم الإسلامي بعد أن هبت أعاصير الاختلافات في القرون الوسطى وحاربت حكومات تلك الأيام رجالات المعقولات وأحرار الأفكار ضعف مستوى العقول لأنها لم تطلق لها العنان وتقاصرت الهمم لأنها لم تجد منشطا فقل جدا النابغون النابهون.
وما ننس لا ننس ما وقع لشيخ الإسلام بل لعالم السنة وإمام الأئمة ومجدد شباب الحنيفية السمحاء تقي الدين بن تيمية فقد عذب في القرن الثامن سنين كثيرة في سجون القاهرة والإسكندرية ودمشق وناله من أذى أدعياء العلم في عصره حسدا منهم لمكانته ما يبكي تذكره المقل ويهون بعده كل اعتداء على العلماء ينالهم من أهل الحشو والجمود.
ومن قرأ تاريخ رجالنا في القرون الثلاثة التالية أي في القرن الثامن والتاسع والعاشر أو القرون الثلاثة التي سبقتها أي الخامس والسادس والسابع يعرف أن كثيرين قضوا شهداء أفكارهم وعذبوا وأوذوا في سبيلها لأنهم رأوا غير ما رآه العلماء الرسميون ومن الأهم من أرباب الزعامات في أيامهم.
ومنذ اضطر مثل حجة الإسلام أبي حامد الغزالي في القرن الخامس أيهجر العراق تخلصا من حاسديه الذين لا يعدمون عندما تصح إرادتهم حجة للاستعانة بالسلطة الزمنية للنيل ممن أربى عليهم وإيقاف نيار أفكاره إلى عصر ابن تيمية الذي ناله ما ناله في مصر والشام حتى قضى في سجن دمشق شهيد الإصلاح إلى أن جاء القرن العاشر والذي يليه من القرون وقد أصبحت العلوم رسمية والمدارس صورية والأوقاف المحبوسة على العلماء مأكولة مهضومة - منذ جرى كل هذا والأمة لا تكاد تفرح لها بعالم حقيقي يكسر قيود التقليد ويقول بالأخذ من كل علم فندر النبوغ لأنه ندر أن يلقى العالم ما ينشط عزيمته وكان قصارى من تسمو به الهمة إلى أخذ نفسه بمذاهب التعلم والتعليم أن يقتبس من كتب الفروع ما لا يخرج به عن مألوف معاصر به ومن حكم عقله في بعض المسائل كان اتهامه بأمانته من أيسر الأشياء وطرده من حظيرة الحظرة لدى العامة ومن سموا أنفسهم بالخاصة من الأمور المتعارفة أما التضليل والتفكير والتبديع والتنسيق فهذا لا يخلو منه عالم يريد أن