من دمشق ركبنا قطار السكة الحجازية قاصدين إلى بلاد الجليل فاجتار بنا سهول حوران وجزءاً من وادي الأردن والغور ومعظم البلاد التي مررنا بها تبعث النفس على النظر والعين على التحديق والفكرة على التأمل لما جرى فيها من الوقائع والحوادث في سالف الأعصار.
وإن أرضاً أخرجت رسولاً كالسيد المسي عليه الصلاة والسلام فكانت مهوى افئدة اهل النصرانية في العالم على اختلاف الأعصار والأقطار لحرية بأن تزار مهما شظت بقاصدها الديار فما بالك وهي الآن منا بضع ساعات في قطار البخار، وإن بلاداً مضى على أبناء إسرائيل ألوف من السنين وهم لم ييأسوا من استرجاعها لجديرة أن يخف إليها كل من يروم البحث في اجتماع الأمم وافتراقها.
يحد بلاد الجليل شرقاً الأردن وجنوباً الكرمل وجبال افرايم وغرباً بحر الروم وشمالاً فينيفية ولبنان وتسمى هذه البلاد جليل الأمم لكثرة الأمم فيها وفي الجليل تربى يسوع وفيها صرف أكثر مدة خدمته جهراً فدعي جليلياً وكان تلاميذه جليليين ماعدا يهوذا الاسخريوطي واشتهر الجليليون بشدة البأس فقال يوسيفوس المؤرخ اليهودي الذي كان هو نفسه جليلياً أنهم كانوا يتمرنون على استعمال كل أنواع الأسلحة منذ الصغر، وقد اشتهروا بشدة مقاومتهم للرومانيين وآل خراب اورشليم إلى نجاح الجليل فأصبحت دار العلوم اليهودية ونقل إليها السنهدريم مجمع الأمة العظيم فجعل اولا في اوشته وهي الآن خربة هوشته قرب شفا عمرو ثم نقل إلى شفرام وهي الآن شفا عمرو ثم إلى بيت شعرايم وصفوري وطبرية وكانت الجليل مقسومة إلى قسمين الجليل السفلى وطولها من طبرية إلى زبولون قرب عكا وعرضها من قرية كسالوت قرب تايور إلى بيرسبع (غير بير سبع في الجنوب) وكان فيها على رواية بوسيفوس ٢٤٠ قرية وفي أصغرها ١٥٠٠٠من السكان والجليل العليا طولها من ميلون غرباً إلى طلة قرب الأردن شرقاً وعرضها من بير سبع جنوباً إلى بقعة على حدود أرض صور شمالاً.
ومعنى الجليل بالعبرانية الدائرة أو المقاطعة وكانت تطلق خاصة على القطر الشمالي من أرض الموعد وفيها عشرون مدينة أعطاها سليمان إلى ملك صور لقاء خدمه في عمارة المعبد في القدس وكان يسكن هذه البلاد جمهور من الوثنيين ومن هنا اشتق اسمها جليل