قال أحمد زكي بك أستاذ الحضارة في الجامعة المصرية أن الحروب الإسلامية كانت استعمارية أكثر منها دينية: أن الحرب الشرعية هي التي تقام لإعلاء كلمة الله وليس المراد من إعلاء كلمة الله الدعوة إلى الإسلام بالسيف فإن هذا مما لا يكون أبداً وإنما المراد منها ما عرف في تاريخ صاحب الشريعة الإسلامية وبعض خلفائه وذلك أن الدين بني على الدعوة إليه بالحسنى ولكن زعماء المشركين وسائر الممالك وقتئذ كبر عليهم أن يدينوا لدين جاء به يتيم عربي ويسوي بين الملوك والسوقة ويسيغ للخليفة الثاني أن يأمر مثل جبلة ابن الأيهم أن يرفع رأسه لجلف من أجلاف العرب ليثأر لنفسه فيلطمه كما لطمه.
كبر عليهم الإذعان فقاوموا القائمين بنشره وشنوا عليهم الغارات يريدون صدهم عن سبيل الله وإطفاء نوره ويأبى الله إلا أن يتم نوره فجاز للمسلمين وقتئذ بل وجب عليهم ان يذودوا عن حياضهم ويذبوا عن أعراضهم وإلا لكانوا أخساء جبناء فأعد المسلمون لأعدائهم ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل وصدوا هجماتهم وانتقموا لأنفسهم ممن آذاهم وكذلك الله يفعل بالمعتدين: فكانت تلك الحروب لدفع من يقف في سبيل المسلمين فيمنعهم من نشر دينهم بالحكمة والموعظة الحسنة لذلك سميت حروباً شرعية وحق لها أن تسمى كذلك.
ولا يفهم من قول المسلمين للمحاربين: الإسلام أو الجزية أو الحرب: إن حربهم إياهم كان لحملهم على الإسلام فإن الذي اضطر المسلمين إلى الحرب إنما هم المحاربون أنفسهم فلما كانت تشتد الأزمة بالمحاربين كانوا يحقنون دمائهم من المسلمين الذين نصرهم الله بقوة حقهم وبعدم اعتدائهم إلا على من اعتدى عليهم وكان حقن الدماء بأحد أمرين أما الإسلام ليصيروا إخوانهم وأما الجزية التي لا بد منها لأية أمة مغلوبة في كل عصر من العصور وإلا لو كانت هذه العبارة الإسلام أو الجزية أو الحرب لحمل الناس على الإسلام لما خيروهم بين الجزية والإسلام ولم يرضوا منهم دون الإسلام شيئاً.
إن الذي يتأمل في مثير الحروب الإسلامية بادئ الأمر يعلم علماً ليس بالظن أن المسلمين لم يحاربوا إلا من أراد صدهم عن سبيل الله فحاربهم وآذاهم فمن ذلك أن أول الغزوات كانت مع قريش فنتركها ونترك سائر غزواتهم كذلك لما هو معروف من أمر قريش