الإمام مالك بن أنس عالم المدينة وإمام دار الهجرة والمحدث الأعظم المتوفى سنة ١٧٩ أخذ العلم عن تسعمائة شيخ فأكثر وما أفتى حتى شهد له سبعون إماماً أنه أهل لذلك وكتب بيده مائة ألف حديث وجلس للدرس وهو ابن سبعة عشر عاماً قال الشافعي إذا جاء الأثر فمالك النجم وإذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب ولم يبلغ أحد مبلغ مالك في العلم لحفظه وإتقانه وصيانته وما أحد أمن عليَّ في الله من مالك وجعلت مالكاً حجة بيني وبين الله تعالى. وقال الشافعي قال لي محمد بن الحسن أيهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم يعني أبا حنيفة ومالكاً رضي الله عنهما قال قلت على الإنصاف قال نعم. قال: قلت ناشدتك الله من أعلم بالقرآن صاحبنا أم صاحبكم قال اللهم صاحبكم قال قلت ناشدتك الله من أعلم بأقاويل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدمين صاحبنا أم صاحبكم قال اللهم صاحبكم قال الشافعي فلم يبق إلا القياس والقياس لا يكون إلا على هذه الأشياء فعلى أي شيء نقيس.
هذا هو الإمام مالك وهو غنيٌّ عن التعريف بعد أن قال ابن عبد البر أن الناس ألفوا في فضائله كتباً عديدة. وناهيك بمن يشهد له الشافعي مثل تلك الشهادة وهو صاحب الموطئ المشهور أحد الكتب الستة في الحديث النبوي وعنه روي الإمام سجنون بن سعيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم العنقي كتاب المدونة الكبرى في فقه مالك. وهذا السفر الجليل عند المالكية ككتاب الأم عند الشافعية وقد ظل قروناً في خزائن الكتب مخطوطاً لا ينتفع به إلا أفراد حتى قيض له الفاضل الحاج محمد الساسي المغربي فبذل ما بذل للحصول على نسخة قديمة منه كتبت بعد المائة الرابعة على رقٍّ صقيل وخط جميل فكانت النسخة الأصلية ملوكية كما يقولون بل أكثر من ملوكية خصوصاً وعليها حواش مطرزة بأقلام الثقات من أهل المذهب كالقاضي عياض وأضرابه.
وماذا عسانا نقول في الإشادة بهذا العمل الشريف ولو عني المشتغلون بالطباعة منذ قرن بطبع الكتب الدينية واللسانية والعلمية على هذا الوضع والنحو واختاروا الأمهات الممتعة وجعلوها مقدمة بين يدي نجواهم لربحوا أكثر مما ربحوا وأفادوا أكثر مما أفادوا. وقد أتحفنا الطابع المنوه به بالأجزاء التسعة التي صدرت من الكتاب في هذه العاصمة ولا