للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاحتفاء بالأحياء والأموات]

قرأت في الجزء الثالث من المقتبس ص١٤٧ مقالاً تحت عنوان روح جديدة جاء فيه أن الأمة أخذت تنصبغ بصبغة الغربيين منذ أنشأت تأخذ العلوم عنهم ومن ذلك إجلال رجال العلم والأدب أحياءً وأمواتاً. وقد رأيت دعوى أن ذلك روح جديدة وأن ذلك من أخذ الشرقيين عنهم منظور فيها إذ قد دون التاريخ من أمثال هذه الاحتفالات ما لا يحصى. وما ذنبنا إلا القصور بعدم التنقيب.

إن الفقهاء بأجمعهم على تنوع مذاهبهم عدوا من البدع تأبين الميت وذكر محاسنه ورثاءه قبل الدفن وبعده واستدلوا على ذلك بما روي من الآثار المعروفة في دواوين السنة أليس هذا لأن القرون المتقدمة كان فيها شيءٌ من ذلك: إنشاد مراث وتعديد مناقب وبث خطب. بلى ولولاه لما كان لتنبيههم معنى. ولم يزل ذلك معروفاً في عواصم البلاد فلا يموت عالم إلا وتتلى قبل الصلاة عليه عدة قصائد وذلك قبل نفخ هذه الروح الجديدة في صور الشرق.

وأما تكريم الأحياء للأحياء فلم يزل يحتفل بختم دروس الكتب المهمة كالصحيحين والموطئ في دور مشايخ الحديث أو أحد أصحابهم احتفالاً يحضره كثير من أهل الفضل والأدب وإن أعوزهم مدح العلم والكتاب نظماً فلم يفتهم ذلك مذاكرة أو لسان حال هذا أثر من آثار ما كان. ما الذي كان. كان إذا ختم عالم كتاباً مهماً من مؤلفاته يحتفل به أفاضل العصر احتفالاً يذيع في كل قطر.

أذكر من ذلك ما جرى عام ٨٤٢ لما ختم الحافظ ابن حجر كتابه الباري شرح البخاري بالتاج والسبع وجوه بين كوم الريش ومنية الشيرج خارج القاهرة حضره من العلماء الذين حفظ التاريخ أسماءهم ثمانون بل نيفوا على ذلك وأما من كان من الطبقة الوسطى فما دونها فأولئك لا يبلغهم الحصر ونظم من أدبائهم ومشاهيرهم في التنويه بهذا المشروع عدة قصائد فمن ذلك قول الصلاح الأسيوطي من قصيدة

كم للبخاري من شرح وليس كما ... قد جاَء شرحك في فضل وتتميم

وقول الشهاب المتوفى مطلع قصيدة أبياتها ٧٥:

تمنعت بدموع الصب في حجب ... فانظر لشمس الضحى في حلة السحب

ومنها

شرحت صدر البخاري مثل جامعه ... فراح ينشد هذا منتهى الطلب