للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى النهوض بالشعوب الشرقية من وهدة الذل والخمود.

ورب معترض يقول أن نهوض زعماء الحكومات بالأمم أمر غير متوقع الحصول لاسيما في المشرق ومادام الشرقيون قد بلغوا من الضعف ذلك المبلغ فأحر بزعمائهم أن يكونوا كذلك فالأولى أن تحث الأمم على النهوض بنفسها وترك الاعتماد على حكوماتها فالجواب عن هذا أن ذاك الاعتراض وجيه لا يقبل النقض بل هو القاعدة الأساسية في حياة الأمم لكن ذلك يجوز على أهل المغرب وأما أهل المشرق فقد أقعدهم عن العمل بهذه القاعدة طول عهدهم بالجمود والخمول الناشئين عن الإغراق في الحضارة كما قدمنا وتماديهم أجيالاً كثيرة في الاعتقاد بألوهية زعمائهم وما يتبعها من تسليم النفوس إليهم والتعويل في كل الشؤون عليهم وهي عقيدة وإن محتها الشرائع الإلهية من أكثر أرجاء المشرق إلا أن إدمان الأمم عليها غادر في نفوس الشرقيين من آثارها القبيحة اعتماد الشرقيين على حكوماتهم في كل شأن من شؤونهم العامة.

وهل تظن أيها القارئ أن الأمة اليابانية كانت تتجول عن مثل هذا الاعتقاد بميكادها (إمبراطورها) لو لم يتنازل هو نفسه عن ألوهيته بمحض إرادته وحب الخير لأمته ويفهم شعبه أنه بشر مثلهم لا قوة له ولا حول إلا بهم ولاحظ لهم سعادة الحياة ومسابقة الأمم إلا بجدهم وهل تظن الصينيين يبلغون من الرقي مبلغ اليابانيين إذا لم يفهمهم إمبراطورهم ابن السماء أنه ابن الأرض ويهدم مختاراً ذلك السور الهائل القائم بينه وبين أمته فيقودهم إلى الطريقة التي سلكها ميكادو اليابان بقومه ورفع لهم فيها بنيان الفضيلة والعلم بإخلاصه وعلو نفسه. وبالإجمال فالشرق يحتاج في نهوضه إلى حكوماته إذا أريد التعجيل في الحصول على الثمرة المبتغاة من دعوة المصلحين في كل قبيل منه وعند تعذر الحصول على هذه الثمرة يعدل فيه إلى الرأي الآخر ولابد في هذه الحال من قيام طائفة من كل قوم على تربية النفوس وبيان الفضائل التي تسمو بها النفس إلى أفقها الأعلى حق البيان والله بحسن العاقبة كفيل.

حلوان

رفيق العظم